{ والله أعلم بأعدائكم وكفى بالله وليا وكفى بالله نصيرا}
/م44
في هذا النص السادس تحذير للمؤمنين من هؤلاء الذين أوتوا حظّا من الكتاب ، وهم يطلبون الضلالة ويبتغونها لأنفسهم وللمؤمنين ، لأنهم يحسدونهم ، ولأنهم يريدون لهم الخذلان والضلال وأن يكونوا قوما بورا ، ! وقد أشار بالنص الكريم إلى أنهم أعداء المؤمنين ، وإن كانوا يخفون ما لا يبدون ، ولذا قال سبحانه وتعالى:{ والله أعلم بأعدائكم}أي أن الله جلت قدرته أعلم منكم بأعدائكم ، لأنكم تعلمون ما يبدو من أفعالهم وما يظهر على ألسنتهم ، والله سبحانه وتعالى يعلم ما تخفي الصدور ،وقد قال تعالى في آية أخرى:{ يا أيها الذين آمنوا لاتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالا ودوا ما عنتم قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر قد بينا لكم الآيات إن كنتم تعقلون( 118 ) ها أنتم أولاء تحبونهم ولا يحبونكم وتؤمنون بالكتاب كله وإذا لقوكم قالوا آمنا وإذا خلوا عضوا عليكم الأنامل من الغيظ قل موتوا بغيظكم إن الله عليم بذات الصدور( 119 ) إن تمسسكم حسنة تسؤهم وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا إن الله بما يعملون محيط( 120 )}( آل عمران} .
ومع أن هؤلاء أعداؤكم فلا تخافوهم ولكن احذروهم ، ولا تتخذوا منهم أولياء توالونهم ، بأن تتخذوا ولايتهم ولاية لكم بأن تنضووا تحتها ، ولا تستنصروا بهم لأنهم يريدون لكم الخذلان لا النصر ، ومن اعتز بغير الله ذل ، ومن استنصر بعدوه خذل ، وقال سبحانه:{ وكفى بالله وليا وكفى بالله نصيرا} ويكفي المؤمن في الإعتزاز أن يكون الله وليه ، لا ينضوي إلا تحت لواء أهل دينه ، ولا يدخل ولاية غير ولايتهم ، كما قال تعالى:{ إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا( 55 )}( المائدة ) . وكما أنه يكفي المؤمن أن يكون لله وليه ، فإنه يكفيه أيضا أن يكون الله تعالى ناصره:{ إن ينصركم الله فلا غالب لكم وإن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده وعلى الله فليتوكل المؤمنون( 160 ) ( آل عمران ) .
وهنا بحثان لغويان:أولهما:أن النحويين يقررون أن الباء في قوله تعالى:{ وكفى بالله}زائدة في الإعراب ، ولكن ليست زائدة في المعنى ؛ إذ هي تشير إلى تضمن الإكتفاء بولاية الله وعونه ونصرته ، وكان المعنى:اكتفوا بولاية الله ونصرته ، وكفاكم الله الولاية والنصرة والمعونة .
والبحث الثاني:تكرار كلمة{ وكفى بالله}وذلك لإلقاء الاطمئنان في قلوب المؤمنين ، فإن التكرار فيه توكيد ، وفيه الإشعار بعظمة الله جل جلاله الذي يتولى ولايتهم ونصرتهم .