وإن بني إسرائيل كانوا قد ضعفت همتهم ، وماتت عزائمهم ولذلك أجابوا دعوة العزة بقولهم:{ قالوا يا موسى إن فيها قوما جبارين وإنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها} .{ قالوا يا موسى إن فيها قوما جبارين وإنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها}
صح ما توقعه موسى عليه السلام منهم ، وما نهاهم عنه ، إذ إن روح التردد والهزيمة قد ملك قلوبهم واستولى على نفوسهم فقرروا له أنهم لن يدخلوا ، لأن فيها قوما جبارين والجبار في اللغة يطلق على الطويل القوي والمتكبر والعاتي وهو مأخوذ من نخلة جبارة إذا كانت طويلة لا ينال تمرها ، وقد جاء في لسان العرب ( الجبار من النخيل وهو الطويل الذي فات يد المتناول ويقال جبار إذا كان طويلا عظيما قويا تشبيها بالجبار من النخل ) وجاء في مفردات الراغب أن الجبار من جبر ، وهو الإصلاح بقهر وقوة .
ويكون على هذا معنى جبارين أنهم قوم غلاظ شداد عندهم قدرة على القهر ، وقد قيل في الأخبار أنهم بنو عناق الذين يسكنون أمامهم في أدنى الأرض المقدسة إليهم ، وهم أولو قوة وأولو بأس شديد ولعلهم الذين قال تعالى فيهم:
{ فإذا جاء وعد أولاهما بعثنا عليكم عبادا لنا أولي بأس شديد فجاسوا خلال الديار وكان وعدا مفعولا( 5 ) ثم رددنا لكم الكرة عليهم وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيرا ( 6 )}( الإسراء )
امتنع بنو إسرائيل عن القتال وأكدوا المنع بثلاث تأكيدات:
أولها:في ندائهم بقولهم يا موسى فإن ذلك النداء فيه نوع من التذليل والاستغاثة ليسكت عنكم .
ثانيها:وصفهم لخصومهم بأنهم جبارون أي أقوياء قاهرون وأول الوهن الذي يعتري النفوس أن يشعر المجاهد بضعفه أمام خصمه .
ثالثها:أنهم أكدوا النفي بقولهم "لن ندخلها"فهذا التعبير ب "لن"فيه تأكيد للنفي ، وجعل غاية النفي أن يخرج هؤلاء منها ، وهم أقوياء فمن يخرجهم فكأن هذا نفي مؤبد ، وهم لا يريدون قتالا ولذلك قالوا من بعد ذلك النفي{ فإن يخرجوا منها فإنا داخلون} .
وهذا يدل على أنهم لا يريدون قتالا ، بل لا يريدون دخولا لأن احتمال خروجهم بعيد ، ولذلك كان التعبير بإن الشرطية التي تفيد الشك في الخروج والتعبير بالوصف في قولهم:{ فإنا داخلون} يدل على إرادة الدخول من غير عمل يعملونه ، ومن غير معاناة ومجاهدة . . اللهم هب المسلمين العزة والقوة وأبعد عنهم الوهن الذي هو داء الضعفاء ولا حول ولا قوة إلا بالله .