/م20
وقد واجه بنو إِسرائيل دعوة موسى( عليه السلام ) للدخول إلى الأرض المقدسة مواجهة الضعفاء الجبناء الجهلاء ،الذين يتمنون أن تتحقق لهم الانتصارات في ظل الصدف والمعاجز دون أن يبادروا بأنفسهم إلى بذل جهد في هذا المجال ،وردّ هؤلاء على طلب موسى( عليه السلام ) بقولهم كما تنقله الآية: ( قالوا يا موسى إنّ فيها قوماً جبارين{[1018]} وإِنّا لن ندخلها حتى يخرجوا منها فإِن يخرجوا منها فإِنا داخلون ) .
ويدل جواب بني إِسرائيل هذا على الأثر المشؤوم الذي خلفه الحكم الفرعوني على نفوس هؤلاء فإِنّ في كلمة «لن » التي تفيد التأييد دلالة على الخوف والرعب العميقين اللذين استوليا على هذه الطائفة ممّا أرغمهم على الامتناع عن الدخول في أي صراع من أجل تحرير الأرض المقدسة وتطهيرها .
وكان على بني إِسرائيل أن يحرروا تلك الأرض بكفاحهم وتضحياتهم ،أمّا لو أنّ الأعداء تركوا الأرض المقدسة أو أبيدوا فيها بمعجزة على خلاف السنة الإِلهية الطبيعية ،فإِن بني إِسرائيل بدخولهم إِليهافي مثل هذه الحالة دون أي عناء أو مشقةكانوا سيواجهون العجز في إِدارة تلك الأرض الواسعة الغنية ،ولم يكونوا ليبدوا أيّ اهتمام بالحفاظ على شيء حصلوا عليه دون جهد أو معاناة ،فلا يظهر لديهم والحالة هذه أي استعداد أو كفاءة لعمل ذلك .
أمّا المراد من عبارة ( قوماً جبارين ) فهم كما تدل عليه التواريخ قوم «العمالقة »{[1019]} الذين كانوا يمتلكون أجساماً ضخمة ،وكانت لهم أطوال خارقة ،بحيث ذهب الكثير إلى المبالغة في طول أجسام هؤلاء وصنعوا الأساطيرالخرافية من ذلك ،وكتبوا فيهم مواضيع تثير السخرية لا يسندها أيّ دليل علمي ،وبالأخص فيما كتبوه عن المدعو ب«عوج » في التواريخ المصطنعة المشوبة بالخرافات والأساطير .
ويبدو أن مثل هذه الخرافات التي تسربت حتى إلى بعض الكتب الإِسلامية ،وإِنّما هي من صنع بني إِسرائيل ،والتي تسمّى عادة ب «الإِسرائيليات » والدليل على هذا القول هو ما ورد نصاً في التوراة المتداولة من أساطير خرافية تشبه أساطير العمالقة ،نقرأ في سفر الأعداد في أواخر الفصل الثّالث عشر «إِن الأرض التي ذهب بنو إِسرائيل إِليها لاستقصاء أخبارها هي أرض تبيد ساكنيها وإِن جميع من فيها هم أناس طوال وفيهم العمالقة من أبناء «عناق » بشكل كان بنو إِسرائيل الذين ذهبوا للتجسس هناك أشبة بالجراد قياساً بأحجام العمالقة الموجودين في تلك الأرض !» .