/م20
والآية التالية تبيّن واقعة دخول بني إِسرائيل إلى الأرض المقدسة نقلا عن لسان نبيّهم موسى( عليه السلام ) فتقول: ( يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم ولا ترتدوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين ) .
وقد اختلف المفسّرون حول المراد بعبارة ( الأرض المقدسة ) الواردة في الآية ،وحول موقعها الجغرافي من العالم .
فيرى البعض أنّها أرض «بيت المقدس » حيث القدس الشريف ،وآخرون يرون أنّها «أرض الشام » وفئة ثالثة ترى أنّها «الأردن وفلسطين » وجماعة أُخرى تقول أنّها أرض «الطور » .
ولكن لا يستبعد أن يكون المراد من العبارة المذكورة كل أرض الشام التي تشمل جميع الاحتمالات الواردة ،لأنّ هذه الأرضكما يشهد التاريختعتبر مهداً للأنبياء ،ومهبطاً للوحي ،ومحلا لظهور الأديان السماوية الكبرى ،كما أنّها كانت لفترات طوال من التاريخ مركزاً للتوحيد وعبادة الله الواحد الأحد ،ونشر تعاليم الأنبياء ...لهذه الأسباب كلها سمّيت ب «الأرض المقدسة » مع أنّ هذا الاسم يطلق عن منطقة «بيت المقدس » بصورة خاصّة أحياناً ( وقد بينا هذا الأمر في الجزء الأوّل من كتابنا هذا ) .
ويستدل من جملة ( كتب الله عليكم ...) إِنّ الله قد قرر أن يعيش بنو إِسرائيل في الأرض المقدسة بالرغد والرخاء والرفاه ( شريطة أن يحموا هذا الأرض من دنس الشرك والوثنية ) وأن لا ينحرفوا ( عن تعاليم الأنبياء ) إِن لم يلتزموا بهذا الأمر سيحيط بهم من قبل الله عذاب أليم شديد .
وعلى هذا الأساس لا يوجد أيّ تناقض بين فشل جيل من بني إِسرائيل الذين خوطبوا بهذه الآية في دخول الأرض المقدسة ،وابتلائهم بالتيه والضياع لمدة أربعين عاماً في الصحارى والقفار ،حتى نجح الجيل التالي من بعدهم بدخول تلك الأرض ،لا يوجد أيّ تناقض بين ما ذكر وبين جملة ( كتب الله عليكم ...) لأنّ هذا التقدير الإِلهي والقرار الرباني إِنّما قيد بشروط لم ينفذها ذلك الجيل الأوّل من بني إِسرائيل ،وتوضح هذا الأمر الآيات التالية .