/م20
بعد هذا الحديث يشير القرآن الكريم إلى رجلين أنعم الله عليهما بالإِيمان والتقوى والورع وشملهما بنعمه الكبيرة ،فجمعا صفات الشجاعة والشهامة والمقاومة مع الدرك الاجتماعي والعسكري ممّا دفعهما إلى الدفاع عن اقتراح النّبي موسى( عليه السلام ) فواجها بني إِسرائيل بقولهما: ادخلوا عليهم من باب المدينة ،وحين تدخلون عليهم سيواجهون الأمر الواقع فتكونون أنتم المنتصرون ،تقول الآية الكريمة في هذا المجال: ( قال رجلان من الذين يخافون أنعم الله عليهما ادخلوا عليهم الباب فإِذا دخلتموه فإِنّكم غالبون ) .
وتؤكد الآيةبعد ذلك على ضرورة الاعتماد على الله في كل خطوة من الخطوات ،والاستمداد من روح الإِيمان بقوله تعالى: ( وعلى الله فتوكلوا إِن كنتم مؤمنين ) .
وما ذكره أغلب المفسّرين حول هوية هذين الرجلين هو أنّهما «يوشع بن نون » و«كالب بن يوحنا » وهما من النقباء الاِثني عشر في بني إِسرائيل ،كما ورد سابقاً{[1020]} .
مع كل الاحتمالات العديدة الواردة في تفسير جملة ( من الذين يخافون )إلاّ أنّ الواضح من ظاهر هذه الجملة ،هو أنّ الرجلين المذكورين في الآية هما من جماعة تخاف الله وتخشاه وحده دون غيره ،ويؤيد هذا التّفسير ما جاء في جملة ( أنعم الله عليهما ...) فأي نعمة أكبر وأرفع من أن يخاف الإِنسان من الله وحده ولا يخشى أحداً سواه .
وقد يسأل سائل في هذا المجال عن مصدر علم هذين الرجلين ،وكيف أنّهما علما أن بني إِسرائيل ستكون لهم الغلبة إِن هم دخلوا المدينةأو الأرض المقدسةفي هجوم مباغت ؟
وجوابه: لعل علم هذين الرجلين بتلك الغلبة كان نابعاً من ثقتهما بأقوال النّبي موسى( عليه السلام ) أو أنّهما اعتمدا على قاعدة كلية في الحروب ،مفادها أن الجماعة المهاجمة إن استطاعت الوصول إلى مقر ومركز العدوأي تمكنت من محاربة العدو في دارهفإِنها ستنتصر عليه{[1021]} عادة .
والمستهدفون في تلك الحرب هم قوم العمالقة ،وهم بسبب ما كانوا عليه من طول خارق ،كان أسهل عليهم أن يحاربوا في بر أو فضاء مفتوح بدل الحرب في مدينة ،فيهابحسب العادةالأزقة والطرق الملتوية ( بغضّ النظر عن الجوانب الأسطورية التي تتحدث عن الطول الخارق لهؤلاء العمالقة ) ،أضف إلى ذلك كله أنّ العمالقةكما نقلكانوا على رغم قاماتهم الطويلة أناساً جبناء رعاديد ،يرهبهم كل هجوم مباغت ،وكل هذه الأسباب أصبحت دليلا قوياً لدى الرجلين المذكورين ليقولا بحتمية انتصار بني إِسرائيل .