( لقد أخذنا ميثاق بني إسرائيل وأرسلنا إليهم رسلا ) فتح الله تعالى باب القبول على اليهود والنصارى والصابئين ، وقد أخذ سبحانه يبين كيف فتح الباب لهم من قبل ولكن غلقوه على أنفسهم ،وقد ذكر سبحانه في هذا النص أمرين:أولهما – أنه تعالى أخذ عليهم الميثاق والثاني – أنه أرسل رسلا ليسهل تنفيذ هذا الميثاق .
والميثاق عقد موثق مشدد فيه ، كما يشد الوثاق ، وهو مؤكد بيمين الله تعالى ، والله تعالى قد أخذ هذا الميثاق على بني إسرائيل بأن يقوموا بالتكليفات التي يكلفهم إياها ، ولم يذكر هنا موضوع الميثاق وقد ذكره في مواضع كثيرة من كتاب الله تعالى ، فترك هنا بيانه حملا عليها ، ومن نصوص ميثاق الله تعالى على بني إسرائيل قوله تعالى:
( لقد أخذنا ميثاق بني إسرائيل وأرسلنا إليهم رسلا كلما جاءهم رسول بما لا تهوى أنفسهم فريقا كذبوا وفريقا يقتلون ) وقد أكد الله سبحانه في الآية الكريمة التي نتكلم في معانيها ( أخذ ) باللام و ب ( قد ) وبإضافة الأخذ إليه فقال سبحانه:( لقد أخذنا ميثاق بني إسرائيل ) .
ومع أخذ الميثاق المؤكد ، لم يتركهم هملا ، بل أرسل إليهم الرسل من عنده ليؤكدوا الميثاق ، ويبينوه ويعاونوهم على تنفيذه ، وقد جاءت كلمة ( رسلا ) بالتنكير وهو هنا للتكثير ، أي أرسلنا إليهم رسلا كثيرة ، ولم تكن نتيجة الميثاق وإرسال الرسل محمودة لهم ، بل كانت منهم نكرا ولذا قال سبحانه:
( كلما جاءهم رسول بما لا تهوى أنفسهم فريقا كذبوا وفريقا يقتلون ) لقد كان الحكم الذي ارتضوا حكومته هواهم وشهواتهم فما يوافق هواهم اتبعوه ، وما لا يوافق هواهم ردوه ، فاتخذوا بذلك إلههم هواهم وضلوا عن علم ، ووقعوا في الشر ، فلم يجعلوا العقل والميزان هو الحكم الذي يقبلون ما يقبله ، ويردون ما يرده ، وإنه ترتب على تحكيم الهوى وسيطرته عليهم أن كذبوا فريقا واكتفوا بالتكذيب وأن قتلوا فريقا .
وهنا بعض مباحث لفظية تبين منها معنى النص الكريم:
أولها- عدم وجود جواب الشرط ، وهو ( كلما ) فقال الزمخشري:قام مقامه فريقا كذبوا وفريقا يقتلون ، أو هو في الحقيقة جواب الشرط ، لأن المعنى كلما جاءهم رسول بما لا تهوى أنفسهم كذبوا فريقا قتلوه ، وبعضهم قال:إن الجواب محذوف تقديره ، و ( استكبرتم ) وأخذه من قوله تعالى في آية أخرى:(. . .أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم ففريقا كذبتم وفريقا تقتلون 87 ) ( البقرة ) .
وإن الأوضح هو ما قرره الزمخشري لأن قوله ( فريقا كذبوا وفريقا يقتلون ) تصلح جوابا فلا حاجة إلى تقدير وأما الآية الأخرى فقد جاءت الفاء في قوله:( ففريقا كذبتم وفريقا تقتلون ) فكانت الجملة غير صالحة لأن تكون جواب شرط ، فكان لا بد من التصريح بجواب الشرط .
المبحث الثاني- أن الله سبحانه وتعالى قسمهم فريقين كذبوه وفريقا قتلوه ، ولا شك أنه مع القتل والتكذيب ، ويكون المعنى على هذا أن هناك فريقا اكتفوا بتكذيب الرسول وفريقا آخر ذهبت بهم اللجاجة في العناد وعداوة الهادين إلى أن يقتلوه .
والمبحث الثالث:التعبير عن التكذيب بالفعل الماضي فقال:( فريقا كذبوا ) وعن القتل بالمضارع:( وفريقا يقتلون ) وقد علل ذلك الزمخشري بأن المضارع يدل على استحضار الجريمة البشعة التي ارتكبوها ، وهي أن يقتلوا هاديهم ومرشدهم ، وهناك تعليل آخر أنهم على استعداد لأن يقتلوا خاتم الهداة محمدا صلى الله عليه وسلم وقد هموا ولم ينالوا .