بدأ الله تعالى السياق الطويل في أهل الكتاب بأخذ الميثاق على بني إسرائيل وبعث النقباء فيهم ، ثم أعاد التذكير به في أواخره هنا ، فذكر وذكر معه إرسال الرسل إليهم ما كان من معاملتهم لهم فقال:{ لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ رُسُلاً كُلَّمَا جَاءهُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنْفُسُهُمْ فَرِيقًا كَذَّبُواْ وَفَرِيقًا يَقْتُلُونَ} تقدم أن الميثاق هو العهد الموثق المؤكد وأن الله أخذه عليهم في التوراة فراجع الآية ال 13 ( ج تفسير ) .
وقد نقضوا الميثاق كما تبين في أوائل هذه السورة وأواخر ما قبلها .وأما معاملتهم للرسل فقد بين الله تعالى إجماله بهذه القاعدة الكلية ، وهي أنهم كانوا كلما جاءهم رسول بشيء لا تهواه أنفسهم – وإن كان مقترنا بأشياء يوافق فيها الحق أهوائهم – عاملوه بأحد أمرين:التكذيب المستلزم للإعراض والعصيان ، أو القتل وسفك الدم .والظاهر أن جملة ( كلما جاءهم رسول ) استئناف بياني لا صفة لرسل كما قال الجمهور .وجعل الرسل فريقين في معاملة بعد ذكر لفظ الرسول مفردا في اللفظ جائز ، لأن وقوعه مفردا إنما هو بعد ( كلما ) المفيد للتكرار والتعدد ، واستحسن بعضهم أن يكون جواب ( كلما ) محذوفا تقديره:استكبروا وأعرضوا ، وجعل التفصيل بعد ذلك استئنافا بيانيا مفصلا لما ترتب على الاستكبار وعدم قبول هداية الرسل .وهو حسن لموافقته لقوله تعالى في آية أخرى{ أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم ففريقا كذبتم وفريقا تقتلون} [ البقرة:87] وتقدم تفسيرها .
والتعبير عن القتل بالمضارع مع كونه كالتكذيب وقع في الماضي نكتته تصوير جرم القتل الشنيع واستحضار هيئته المنكرة كأنه واقع في الحال ، للمبالغة في النعي عليهم والتوبيخ لهم ، فقد أفادت الآية أنهم بلغوا من الفساد واتباع أهوائهم أخشن مركب وأشده تقحما بهم في الضلال ، حتى لم يعد يؤثر في قلوبهم وعظ الرسل وهديهم ، بل صار يغريهم بزيادة الكفر والتكذيب وقتل أولئك الهداة الأحبار .