هكذا أمر الله وهكذا أمر رسوله ، قد قال تعالى:( وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول واحذروا ) الواو هنا قال بعض المفسرين:انها عاطفة على قوله تعالى:( فاجتنبوه لعلكم تفلحون ) ويكون قوله:( إنما يريد في مقام التعليل للنهي وقوله ( فهل أنتم منتهون ) في مقام تأكيد النهي أو تأكيد معناه ويكون الكلام كله في مساق واحد ، ويكون قوله تعالى:( وأطيعوا الله ) في مقام تأكيد المنهيات السابقة وغيرها ، وكان ذلك كله لمقام تأثر العرب بالخمر ، وتعلقهم السابق بها ، فاقترن بها الأمر بالإطاعة ، وتحميلهم التبعة ، والأكثرون لم يذكروا أن الواو عاطفة ومفهوم كلامهم أنها استئنافية والمؤدى واحد لان في ذكرها عقب تحريم الخمر بالأمر العام بالطاعة تأكيدا للنهي وتوثيقا له .
وأمر سبحانه بإطاعة الله ، ثم امر بإطاعة الرسول مع أن إطاعتهما واحدة .
لقوله تعالى:( من يطع الرسول فقد أطاع الله . . .80 ) ( النساء ) ولأن النبي يتكلم عن الله سبحانه وتعالى فقد قال تعالى:( وما ينطق عن الهوى3 إن هو إلا وحي يوحى4 ) ( النجم ) وكرر سبحانه الأمر بالطاعة لتأكيد الدعوة إلى الطاعة وتشريف الرسول ، وتاكيد رسالته بذكر طاعته بجوار طاعة الله تعالى:
( فإن توليتم فاعلموا أنما على رسولنا البلاغ المبين ) نبههم الله سبحانه وتعالى على وجوب طاعة الله وطاعة الرسول وأن يحذروا غضب الله تعالى وعذابه ، واقتران الحذر بوجوب الطاعة فيه تنبيه على ضرورة اجتناب الخمر التي تصد عن ذكر الله وتميت الضمير ، وتخفت صوت الوجدان ، وتسهل الاندفاع وتمنع الحذر .
وفي هذا النص الكريم تأكيد لمعنى التحذير السابق ، وتنبيه إلى سوء العاقبة ، والمعنى:أن أعرضتم عن الطاعة وتجنبتم الحذر ، ووقعتم في المحظور وغفلهم عن المأمور به فقد وقعتم في الخطيئة وستحاسبون عليها حسابا عسيرا ، واعلموا إنه على رسولنا البلاغ الواضح المبين للحقائق والواجبات فقوله تعالى:( -فاعلموا أنما على رسولنا البلاغ المبين ) مبنى عن جواب شرط مقدر ينبئ عن تحملهم وحدهم لتبعة إجرامهم ومعاندتهم لربهم مثل قوله تعالى:( قل من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله . . .97 ) ( البقرة ) أي فإنه عدو لله لأنه نزل على قلبك بإذن الله ، فالرسول مبين للحق ، وليس مسئولا عن إيمان من يبين لهم كقوله تعالى:(. . .إنما أنت منذر ولكل قوم هاد7 ( الرعد ) وكقوله:( إنما أنت مذكر21 لست عليهم بمسيطر 22 ) ( الغاشية ) وفي إضافة الرسول إليه في قوله:( على رسولنا ) تشريف للرسول وتوكيد لإقراره سبحانه وبيان أن الرسول ما ينطق إلا عنه ، وان عصيانه عصيان لله تعالى ، وفي التعبير بقوله تعالى:( فعلموا ) تنبيه بصيغة الأمر ليتعظوا ويتحملوا تبعة أعمالكم ويكونوا في حذر مستمر والله الهادي .