( ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طمعوا إذا ما اتقوا وآمنوا ) كان بعض المؤمنين يحرمون على أنفسهم بعض المباحات ، ويحسبون أن ذلك من الورع والتقوى وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم خطأهم ونزل القرآن الكريم بتحريم ذلك عليهم وجاء في مطوى الكلام تحريم الخبائث لا تحرم الطيبات وفي هذا النص الكريم بيان انه لا إثم في تناول المباحات لان العبرة بالإيمان وتقوى القلوب ، فالخبر في الإيمان وفي القلب لا في ترك المباحات وهذا يشير إلى أن الآيات حكمها عام ، وهو كذلك وإن كان لها سبب فالعبرة بعموم اللفظ .
والاكثرون من المفسرين على ان سبب نزولها انه لما نزل تحريم الخمر المشدد فيه ، والتحذير منها ، وقد كانت من قبل في مرتبة العفو ، وقد كان هناك من المؤمنين من يشربها حتى كان منهم من استشهد في الجهاد وفي بطنه خمر فتساءل بعض المؤمنين عمن شربها ومات وعمن كان يشربها من الأحياء كما تساءل بعض الذين كانوا يصلون إلى بيت المقدس عن صلاتهم قبل تغيير القبلة إلى الكعبة فنزلت هذه الآية:( ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات ) كما نزل هنالك قوله تعالى:(. . .وما كان الله ليضيع ايمانكم إن الله بالناس لرءوف رحيم 143 ) ( البقرة ) وقد وصف الله سبحانه وتعالى الذين لا جناح عليهم في شربهم في الماضي بانهم الذين آمنوا وعملوا الصالحات وكلمة:( طعموا ) معناها ذاقوا وهي تطلق على المشروب والمأكول كما قال تعالى في شأن النهر الذي حرم القائد شربه:(. . .ومن لم يطعمه فإنه مني . . .249 ) ( البقرة ) وقد ذكر سبحانه وتعالى بعد نفى الإثم قوله تعالى:( إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات ) ففهم بعض الناس أن ذلك شرط لنفى الإثم أي لا إثم بالشرب مع التقوى وعمل الصالحات ونقول في الجواب عن ذلك:
أولا إن المراد بتقوى الله تعالى امتلاء القلب بخشيته وقد ذكر سبحانه وتعالى في أوصاف الخمر والميسر أنهما يلقيان بالعداوة والبغضاء والصد عن ذكر الله تعالى فإذا كان الإثم قد رفع عن التناول لأنه كان قبل التحريم ، فهل يرفع الإثم عن العداوة والبغضاء والصد عن ذكر الله تعالى وعن الصلاة ؟ إنه لا تقوى مع التناول .
وثانيا إن فيهذاالشرط تحريضا على الإيمان وتقوى الله تعالى ، والامتلاء بهيبته .وكرر الله تعالى التقوى فقال تعالت كلماته:( ثم اتقوا وآمنوا ) لبيان أنه يجب استمرارهم على التقوى وحث غيرهم عليها ، وكان التعبير ب ( ثم ) لتأكيد معنى الاستمرار على التراخي وهناك معنى يفيده التكرار وهو تأكيد أن الماضي مهما يكن لا يؤثر في الحاضر إذا كان نقيا وقد تأكد هذا بقوله سبحانه:( ثم اتقوا وأحسنوا والله يحب المحسنين ) العطف ب ( ثم ) هنا هو أيضا لتأكيد معنى الاستمرار مع الزمن والتقوى كما قلنا هي امتلاء القلب بالخشية ، وهذا للحث عليها ، ولتشريف الذين يستمرون عليها ، والإحسان إن اعتبرناه متعديا يكون مؤاده الإحسان الى غيرهم بالمعاونة وفعل الخير واسدائه والجود بالمال وغيره ، ويصح ان يكون لازما والمراد الإحسان في ذات انفسهم كما قال النبي عليه السلام:( الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فهو يراك ){[984]} وهذا أعلى مراتب التقوى وهو ما نراه والله جل جلاله يحب المحسنين لأنهم قريبون منه .