( وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ ) .
إن الولاء يصلح ، ويفسد ، فإذا كان الولى صالحا صلح به من والاه ، وإذا كان فاسدا أفسد من والاه وقوله تعالى:( وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا ) .
التشبيه فيه هو تشبيه حال الناس في تأثير بعضهم في بعض بالفساد بحال تولى شياطين الجن أو شياطين الإنس يغرونهم بالفساد ، ويحسب أولئك أنهم يستمتعون أو يستمتع بعضهم ببعض وكلمة ( نولي ) ما المراد منها أهي الولاية بمعنى السلطان ويكون المعنى وكذلك نجعل بعض الظالمين ولاة على ظالمين مثلهم فيفسد الأمر ويضطرب الحال ، ويكون الفساد في الأرض بدل الصلاح ،فيها وهذا يفيد أن ظلم الولاة يكون بسبب ظلم الرعية فيما بينها كما روى ( كيفما تكونوا يولى عليكم ){[1058]} وان فساد الرعية يؤدى على ألا يحكمها إلا راع ظالم ، فإنهم يتعاونون على الظلم والعدوان ولا يتعاونون على البر والتقوى ، وإن الوالي الظالم يجد العون على ظلمه من الرعية نفسها وهذا منهي عنه بقوله صلى الله عليه وسلم ( من أعان ظلما سلط الله تعالى عليه ظلما ){[1059]} وقد رأينا ذلك ، وإنه كان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر منع ظلم الرعية ولقد قال النبي صلى الله عليه وسلم ك ( لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر ولتأخذن على يدي الظالم ولتأطرنه على الحق أطرا أو ليضربن الله قلوب بعضكم ببعض ، ثم تدعون فلا يستجاب لكم ){[1060]} .
ووجه الشبه في الظلم بين الراعي والرعية بالتولي بين الجن والإنس بإغراء الأولين وتلقي الآخرين وان كليهما ظالم .
هذا إذا فسرنا التولية بمعنى السلطان سلطان الظالم من الحكام على الرعية الظالمة الفاسدة ويرشح لهذا معنى قوله تعالى:( بما كانوا يكسبون ) أي بما كانت الرعية تكسب من ظلم في نفسها وظلم في معاملاتها وفساد فيما بينهم يفسدون ولا يصلحون فيجيء حكام على شاكلتهم فيتشاكلون فيما بينهم يحكمون بمثل أخلاقهم .
وقد يكون معنى تولية الظالمين بعضهم بعضا ، بمعنى الولاء النفسي والتشاكل الخلقي ، فكما أن الإغراء يكون من الجن للإنسان فكذلك يكون الإغراء بالشر بوسوسة الولي لوليه كالصديق للصديق وإن الأولياء الظالمين يسرى بينهم الظلم سريان المرض بين المرضى فإن السلامة لا تنتقل بالعدوى ولكن العدوى تنتقل من المرضى ومثل الظالمين كمثل المرضى يسري الظلم فيهم ، فيتظالمون ويتبادلون الظلم ويسري من بعضهم إلى بعض .
وعند أن الآية الكريمة تحتمل التخريجين ولا مانع من الجمع بينهما والتشابه قائم في الحالين .