( وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُواْ عَلَى مَا كُذِّبُواْ وَأُوذُواْ حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا )هذا تنبيه للنبي صلى الله عليه وسلم وحث على الصبر ، والانتظار لما وعد من النصر المؤزر ، فالله سبحانه وتعالى يبين أنه ليس أول المكذبين بل سبق الى ذلك الرسل الصادقون الداعون ، ولقد أكد الله سبحانه وتعالى الخبر ب ( اللام ) وب ( قد ) لتأكيد التسلية ولتأكيد طلب الصبر ، وتأكيد الوعد بالنصر ، ولم يكن التكذيب للرسل سببا للحزن ، بل كان طريقه شحذ العزيمة بالصبر ، وبتحمل الأذى ، وبترقب النصر والعمل عليه ، فمع العزيمة المعززة بالصبر والنصر ، وليس مع اليأس قوة ، فالصبر كان نتيجة التكذيب ، ولذا كان العطف بالفاء التي تفيد الترتيب والتعقيب ، وقوله ( كذبوا وأوذوا ) للبناء للمجهول وهو مع ( ما ) يكون المصدر المؤول منهما فما للموصول الحرفي أي المصدرية والمراد الصبر على تكذيبهم وإيذائهم ، ودل على أن موضع الصبر هو تكذيبهم وإيذاؤهم وكانوا صابرين حتى أتاهم نصر الله تعالى وأنه مع الصبر الأجر ولقد قال تعالى:( أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب 214 ) ( البقرة ) فالنصر إن شاء الله آت لا محالة ، وهو العزيز الحكيم القادر العليم .
( وَلاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ وَلَقدْ جَاءكَ مِن نَّبَإِ الْمُرْسَلِينَ ) .
كلمات الله تعالى هي كلمات النصر الذي وعد الله تعالى به نبيه صلى الله عليه وسلم ووعد به المرسلين من قبله ، مثل قوله تعالى:( ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين 171 إنهم لهم المنصورون 172 وإن جندنا لهم الغالبون 173 ) ( الصافات ) وقوله تعالى:( كتب الله لإغلبن أنا ورسلي عن الله قوي عزيز 21 ) ( المجادلة ) .
ومعنى تبديل كلمات الله تعالى أن يتخلف وعد الله فلا يكون النصر المبين ما دامت الأسباب بأمر الله وتوفيقه مهيأة وإنه وعد الله تعالى من كلمات الله لا تبديل فيها ولا تغيير ما دام الإيمان يملأ القلوب ، والصبر يؤيد النفوس وياخذون بالأسباب فان تغيرت النفوس فليس ثمة موضوع لوعد الله تعالى:(. . .إن الله لا يغير ما بقوم حتىيغيروا ما بانفسهم وإذا أراد الله بقوم سوءا فلا مرد وما لهم من دونه من وال 11 ) ( الرعد ) .
وفسر بعض العلماء كلمات الله تعالى بما هو أعم من النصر وهو شرائعه وآياته وتوحده وصفاته ونصره أي أنه إذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يشفق على رسالته أن يعروها تغيير بسبب تكذيبهم وايذائهم فلا مبدل لكلمات الله تعالى ، ونحن لهذا نميل .
ولقد أكد سبحانه العظة والتسلية في أنباء المرسلين ، فقال تعالت كلماته:( ولقد جاءك من نبا المرسلين ) ولقد جاءك فيما قص عليك من قصص النبيين وأخبارهم وأنباءهم ما فيه العظة الكاملة وفيه المثلات لأقوامهم والنصر لهم ، وكما قال سبحانه:( لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب . . .111 ) ( يوسف ) .