{وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُواْ عَلَى مَا كُذِّبُواْ وَأُوذُواْ} بكل أنواع الأذى ،فلم يتأففوا ولم يحزنوا ،بل صمدوا في وجه القوى المضادّة ،لأنهم وعوا الحقيقة العملية التي تقول: إن قضية صنع القوّة تبدأ بثبات الإنسان أمام تحديات القوّة ،لأنه بذلك يحصل على قوّةٍ سلبيّة سوف تتحول إلى قوّة إيجابيّةٍ فاعلةٍ في الساحة الرسالية الكبرى ،لأنهبذلكيفسح المجال للعوامل التي تُضعف القوى الآخرى أن تعمل عملها ،كما يعطي الفرصة للعوامل الجديدة التي تقوّي الأفكار القادمة لكي تخطو خطواتها الأولى في حركة الزمن ،لأن انطلاقة التطور في عملية الهدم والبناء قد تحتاج إلى وقتٍ طويلٍ يحمل الكثير من الآلام والمتاعب والدموع في طريق الهدف الواعد الكبير{حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا} لأن الله لا يحقق للنصر حركته إلا من خلال سننه الحتمية في الحياة ،التي تواجه عاديات الزمن ،وتلك هي كلمات الله التكوينيّة التي تتحول إلى سننٍ وقوانين في وعي الطبيعة{وَلاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ} .
{وَلَقدْ جَآءَكَ مِن نَّبَإِ الْمُرْسَلِينَ} فليكن ذلك هو الهدى الذي تستهدي به في خطواتك الجديدة المتحركة أبداً نحو التغيير في كل شيء ،فإن الله قد أراد لكل رسول أن لا يبدأ من حيث يبدأ الآخرون ،بل أن يواصل المسيرة من حيث ينتهي الآخرون في مسيرتهم ،ما يجعل من الساحة ساحة تجارب تغييرية حقيقية ..وماذا بعد ذلك ؟
إن الواقع لا يسمح إلا بالصبر والتقدم من مواقع الصبر ،فذلك هو المنطلق الوحيد للانطلاق ،لأن ذلك هو طبيعة الأسلوب الواقعي في الوصول إلى النتائج الحاسمة ،فإذا لم يقتنع العاملون ،أو لم يصبر الرسل والدعاة ،فلينسحبوا من الساحة ،أو ليقوموا بحركاتٍ واستعراضاتٍ تشنجيّة ،أو ليدخلوا في تجارب غير معقولة ،ليحققوا للمتمردين الجاحدين طلباتهم التعجيزيّة .