{وَإِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ} عنك ،فلم تقدّر الظروف الموضوعية المحيطة بك من خلال الأشخاص والأوضاع ،ولم تحاول أن تصبر على ذلك في انتظار نضوج التجربة ،وانطلاقة المستقبل في خطّ الدعوة ،وعشت الشعور بالسقوط الداخلي تحت تأثير حالة المرارة واليأس ،أمام ما يقترحون من طلبات ،ويطالبون به من معجزات ،مما لم يرد الله أن يخضع مسيرة الدعوة له ،أو يشغل حركة الأنبياء به ،{فَإِن اسْتَطَعْتَ أَن تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الأَرْضِ أَوْ سُلَّماً فِى السَّمَآءِ فَتَأْتِيَهُمْ} تلتقطها من أعماق الأرض ،أو تتلقفها من آفاق السماء ،بعد أن فقدت القدرة على الإتيان بها من سطح الأرض ..فافعل ،ولكنك لن تجد شيئاً هناك لو استطعت بلوغ ذلك لأن الله لم يشأ للناس أن يؤمنوا به ،إلا من حيث أراد وقدّر ،في ما أوحى به إلى الأنبياء ،وفي ما أنزله من معجزات ،بعيداً عن اقتراحات المقترحين وعن طلبات المعجّزين .
{وَلَوْ شَآءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ} بطريقةٍ إلهيّةٍ تكوينيّة كما ألهم الأشياء الكونية قوانينها وسننها الطبيعيّة ..وكما خلق الناس على أشكال معيّنة في اللون والحجم والشكل ،ولكنه شاء للإرادة الإنسانية أن تتحرك من موقع الاختيار لينطلق الإنسان بالإيمان من موقع الحريّة في حركة العقيدة في الحياة ،فسر في طريقك على هدى الله ،ولا تصغ إليهم ،وأعرض عنهم ،فذلك هو الخط الأصيل في فكرة العمل الرسالي وأسلوبه ..{فلاتَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ} الذين يفكرون في ردّ التحديات انطلاقاً من اللحظة الحاضرة والانفعالات السريعة ،بدلاً من التخطيط للمستقبل الذي يرصد نهايات الأمور عندما يفكرون في بداياتها ،لأن القضية ليست في أن تربح هتافات الإعجاب في حماس المتحمّسين ،بل القضية هي في أن تثير النتائج العميقة البعيدة المدى في تفكير المفكّرين وجهاد المجاهدين .