قوله:{وإن كان كبرعليك إعراضهم فإن استطعت أن تبتغي نفقا في الأرض أو سلما في السماء فتأتيهم بئاية} يعني إن كان قد عظم عليك يا محمد إعراض هؤلاء المشركين عنك وانصرافهم عن الإيمان بك وعن تصديقك فيما جئتهم به من الحق فشق ذلك عليك ولم تصبر على ما أصابك من أذاهم فافعل ما بدا لك .فإن استطعت أن تتخذ{نفقا}{[1156]} أي سربا مثل نافقاء اليربوع فتذهب فيه أو تتخذ{سلما} أي مصعدا كالدرج تصعد فيه ثم تأتيهم بعد ذلك بآية أو برهان على صحة دعوتك أفضل مما أتيناك به من الدلائل فافعل .
قوله:{ولو شاء الله لجمعهم على الهدى} أي لو شاء الله أن يجمعهم على ما أنتم عليه من محجة الإسلام فتكونوا جميعا على ملة واحدة لفعل ذلك .وذلك بأن يوفقهم للإيمان فيؤمنوا معكم .لكن الله لم يشأ ذلك لسوء ما اختاره هؤلاء لأنفسهم حسبما علمه الله منهم في أزل الآزال .أو لسابق علمه بأن هؤلاء كائنون من الكافرين اختيارا وليس إجبارا ويرومون ما هو خلافها .
وقيل: لا ينبغي أن يشتد تحسرك على تكذيب هؤلاء المشركين الظالمين .وما ينبغي لك أن تجزع من إعراضهم عن دين الله ،فإن شدة الأسى والجزع وفرط الإحساس بالضيق ،من صفات الجاهلين .ولا جرم أن يكون مثل هذا الأسلوب من التحذير والتنذير ما يحمل للذهن .بالقطع الجازم أن هذا القرآن من عند الله .وهذه واحدة من ظواهر شتى فريدة تزجي للعاملين بالدليل الكامل على أن القرآن معجز .فإنه ما من عاقل أو كائن أوتي مسكة من عقل يصدق أن عظيما فذا مميزا كمحمد ينذر نفسه بنفسه أو يكله نفسه ثقل التحذير والتنذير .