ولقد بين الله سبحانه وتعالى ما آتى به النبيين من فضل فقال تعالى:( أولئك الذين آتيناهم الكتاب والحكم والنبوة ) الإشارة إلى الأنبياء الذين ذكر الله تعالى بعضهم بأسمائهم ورتب جموعهم من حيث الغالب على أوصافهم ، و ( آتاهم ) معناها أعطاهم .
الكتاب هو الكتاب المنزل ، والمراد جنس الكتاب وليس كتابا معينا كالقرآن أو التوراة ومعنى أوتوه أنهم أوتوا علمه ، وعلموه ونشروه وتوارثوا ما اشتمل عليه ، فيشتمل الذين أوتوه من ( نزل عليهم ، ومن جاؤوا داعين إلى ما فيه والتكليفات التي اشتمل عليها كبعض الأنبياء الذين لم ينزل عليهم كتاب ، ولكن بينوا الكتاب الذي جاءوا لبيانه ، كأيوب ويوسف ، وسليمان ، ويشمل الذين أوتوا من عملوا به وأقاموا دعائمه من اتباع النبيين المخلصين الذين لم يغيروا ولم يبدلوا ولم يحرفوا ولم يبدوا قراطيس يبدونها ويخفون كثيرا منها .
والحكم وهو الفصل بين الحق والباطل والظلم والعدل ، والصالح والفاسد ، ويدبرون الأمور على الهدى والشرع .
والنبوة ، وهي الإنباء عن الله بخطاب منه سبحانه ، وما كان خطابه سبحانه الا أن يكلم من وراء حجاب ، أو يوحى إليه أو يرسل رسولا . وقد أفرد الله سبحانه وتعالى النبوة بالذكر مع أن ما مضى يتضمنها وذلك لشرفها باتصالها بالله تعالى وللتصريح بالأنبياء الذين لم ينزل عليهم كتاب ، ولبيان مكان العلم الذي أوتوه واتبعوه وأنه عن الله العلي الحكيم وليرتب الحكم على الكفر بها اذ كان من العرب من كفر بالنبوة وقال:ما أنزل الله على بشر من شيء .
ولذلك قال تعالى:( فَإِن يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاء فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَّيْسُواْ بِهَا بِكَافِرِينَ )
الإشارة إلى هؤلاء الذين أنكروا النبوة ، وكان من المشركين من قريش وغيرهم من كانوا يجابهون النبي صلى الله عليه وسلم بإنكار أصل النبوات ، وأن تكون مع النبي رسالة في قرطاس من الله سبحانه وتعالى أو يكون معه ملك ، كما سيذكر الله تعالى بعد ذلك:( وما قدروا الله حق قدره إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء . . .91 ) ( الأنعام ) . وسيجيء الكلام في هذه الآية قريبا إن شاء الله تعالى .
كان المشركون ينكرون أصل النبوة فالإشارة في قوله تعالى:( فإن يكفر بها هؤلاء ) هو الإشارة إلى قوم النبي صلى الله عليه وسلم الذين أنكروا نبوته ، وحاربوا رسالته وآذوه هو والمستضعفين من المؤمنين وصابرهم حتى كانت الهجرة وهذه السورة مكية ، فتعينت الإشارة إلى ما ناوءوا الرسول صلى الله عليه وسلم .
وقوله تعالى:( فان يكفر بها هؤلاء ) شرط جوابه:( فقد وكلنا بها قوما ليسوا بها بكافرين ) ومعنى وكلنا ، وعهدنا إلى قوم من بعد كفرهم يحفظونها ويصونونها ، وينقلونها للأخلاف من بعدهم جيلا بعد جيل ، فيقال:وكلت فلانا بهذا الأمر أي عهدت به على يوم يقوم عليه ، ويحافظ .
وهؤلاء الأقوام الذين وكل الله بهم أمر النبوة المحمدية ليسوا كافرين بها ، بل يؤمنون ويصدقون وقدم الجار والمجرور وهو ( بها ) على ( كافرين ) للاهتمام ، والتنبيه .
وان هذا النص فيه تبشير للنبي صلى الله عليه وسلم ومن معه من المؤمنين بان عهد الظلم والإيذاء سيأتي بعده عهد النصرة والقوة ، وفيه تبشير للنبي صلى الله عليه وسلم بان هذا سينتشر بين الناس ، وستخالف فيه الأقوام ، ولن يكون مقصورا على العرب ، بل يتجاوزهم إلى الفرس والرومان والشام ومصر ، وسيعتنقه الأبيض والأسود ، وكل من له في الدعوة إليه فضل عظيم .
وأكد الله سبحانه وتعالى ذلك ب ( قد ) وأكد إيمان أولئك الذين سينصرونها بأنهم ليسوا بها بكافرين فنفى عنهم الكفر نفيا مؤكدا مستغرقا شاملا .