الآية التّالية تشير إِلى ثلاثة امتيازات مهمّة هي أساس جميع امتيازات الأنبياء ،وهي قوله: ( أُولئك الذين آتيناهم الكتاب والحكم والنّبوة ) .
ولا يعني هذا أنّهم جميعاً كانوا من أصحاب الكتب السماوية ،ولكن الكلام يدور على المجموع ،فنسب الكتاب إِلى المجموع أيضاً ،وهذا كقولنا: الكتاب الفلاني ذكر العلماء وكتبهم ،أي كتب من له تأليف منهم .
أمّا المقصود من «الحكم » فثمّة احتمالات ثلاثة:
1الحكم بمعنى «العقل والإِدراك » ،أي: إنّنا فضلا عن إِنزال كتاب سماوي عليهم فقد وهبناهم القدرة على التعقل والفهم ،إِذ أن وجود الكتاب بغير وجود القدرة على فهمه فهماً كاملا عميقاً لا جدوى فيه .
2بمعنى «القضاء » أي أنّهم باستنباط القوانين الإِلهية من تلك الكتب السماوية كانوا قادرين على أن يقضوا بين الناس بامتلاكهم لجميع شروط القاضي العادل .
3بمعنى «الحكومة » والإِمساك بزمان الإِدارة ،بالإِضافة إِلى مقام النّبوة ،إِنّ الدليل على المعاني المذكورةبالإضافة إِلى المعنى اللغوي الذي ينطبق عليهاهو أنّ كلمة «الحكم » قد وردت بهذه المعاني نفسها أيضاً في آيات أُخرى من القرآن{[1233]} .
وليس ثمّة ما يمنع من أنّ يشمل استعمال الكلمة في هذه الآية المعاني الثلاثة مجتمعة ،فالحكم أصلاكما يقول «الراغب » في «مفرداته » هو المنع ،ومن ذلك العقل الذي يمنع من وقوع الأخطاء والمخالفات ،وكذلك القضاء الصحيح يمنع من وقوع الظلم ،والحكومة العادلة تقف بوجه الحكومات غير العادلة ،فهي قد استعملت في المعاني الثلاثة .
قلنا من قبل إِنّ جميع الأنبياء لم يكونوا يحظون بهذه الامتيازات كلها ،وإِسناد حكم إِلى الجمع لا يعني شموله جميع أفراد ذلك الجمع ،بل قد يكون لبعض أفراده ،ومن ذلك مسألة إِيتاء الكتاب لهؤلاء الأنبياء .
ثمّ يقول: لئن رفضت هذه الجماعة ( أي المشركون وأهل مكّة ) تلك الحقائق ،فإِن دعوتك لن تبقى بغير استجابة ،إِذ إِنّنا قد أمرنا جمعاً آخر لا بقبولها فحسب ،بل وبالحفاظ عليها فهم لا يسلكون طريق الكفر أبداً ،بل يتبعون الحقّ: ( فإِن يكفر بها هؤلاء فقد وكلنا قوماً ليسوا بها كافرين ) .
جاء في تفسير «المنار » وتفسير «روح المعاني » عن بعض المفسّرين أنّ المقصود بالقوم هم الفرس ،وقد أسرعوا في قبول الإِسلام وجاهدوا في سبيل نشره ،وظهر فيهم العلماء في شتى العلوم والفنون الإِسلامية وألفوا الكثير من الكتب{[1234]} .