الآية الأخيرة تجعل من منهاج هؤلاء الأنبياء العظام قدوة رفيعة للهداية تعرض على رسول الاسلام( صلى الله عليه وآله وسلم ) فتقول له: ( أُولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده ){[1235]} .
تؤكّد هذه الآية مرّة أُخرى على أن أُصول الدعوة التي قام بها الأنبياء واحدة ،بالرغم من وجود بعض الاختلافات الخاصّة والخصائص اللازمة التي تقتضيها الحاجة في كل زمان ومكان ،وكل دين تال يكون أكمل من الدين السابق .بحيث تستمر مسيرة الدروس العلمية والتربوية حتى تصل إِلى المرحلة النهاية ،أي الإِسلام .
ولكن ما المقصود من أمر النّبي( صلى الله عليه وآله وسلم ) أن يهتدي أُولئك الأنبياء ؟
يقول بعض المفسّرين: إِنّ المقصود قد يكون هو الصبر وقوة التحمل والثبات في مواجهة المشاكل ،ويقول بعض آخر إِنّه «التوحيد وإِبلاغ الرسالة » ولكن يبدو أنّ للهداية معنى واسعاً يشمل التوحيد وسائر الأُصول العقائدية ،كما يشمل الصبر والثبات وسائر الأُصول الأخلاقية والتربوية .
يتّضح ممّا سبق أنّ هذه الآية لا تتعارض مع القول بأنّ الإِسلام ناسخ الأديان والشرائع السابقة ،إِذ أنّ النسخ إِنّما يشمل جانباً من أحكام تلك الشرائع لا الأُصول العامّة للدعوة .
ثمّ يؤمر النّبي( صلى الله عليه وآله وسلم ) أن يقول للنّاس إِنّه مثل سائر الأنبياء لا يتقاضى أجراً لقاء عملية تبليغ الرسالة: ( قل لا أسألكم عليه أجراً ) .
ليس الإِقتداء بالأِنبياء وبسنتهم الخالدة هو وحده الذي يوجب عليّ عدم طلب الأجر ،بل أنّ هذا الدين الطاهر الذي جئتكم به وديعة إِلهية أضعها بين أيديكم ،وطلب الأجر على ذلك لا معنى له .
ثمّ إِنّ هذا القرآن وهذه الرسالة والهداية إنْ هي إِلاّ إِيقاظ وتوعية للناس جميعاً: ( إن هو إِلاّ ذكرى للعالمين ) .
إِنّ النعم العامّة الشاملة مثل نور الشمس والهواء والأمطار هي أُمور عامّة وعالمية ،لا تباع ولا تشترى ،ولا أجر يعطى لقاءها ،هذه الهداية أو الرسالة ليست خاصّة ومقصورة على بعض دون بعض حتى يمكن طلب الأجر عليها ،( ممّا قيل في تفسير هذه العبارة يتضح الترابط بينها وبين عبارات الآية الأُخرى ،وبين ما سبقها من آيات ) .
كما يتّضح من هذه الآية الأخيرة أنّ الدين الإِسلامي ليس قومياً ولا إِقليمياً ،وإِنّما هو دين عالمي عام .