ولكن فطنة النبوة عند موسى جعلته يقدمهم عليه في الإلقاء ، ليعرف ما عندهم:{ قَالَ أَلْقُوْاْ فَلَمَّا أَلْقَوْاْ سَحَرُواْ أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ ( 116 )} .
ألقوا حبالهم وعصيهم ، والسحر لا يغير حقائق ، فلا يجعل العصا والحبال حيات ، ولكنه يؤثر في الرائي في نفسه ؛ ولذا قال:{ سحروا أعين الناس} جعلوهم يرون غير الحقيقة ،{ واسترهبوهم} أي طلبوا رهبتهم بذلك السحر ، وقد قلنا عند الكلام في السحر:إنه نوع من استهواء النفس ، والسيطرة عليها بحيث يجعله في يد المستهوي ، أو ما يعبر عنه بالتنويم المغناطيسي ، فيغير إحساسها من محبة إلى بغض ، ومن بغض إلى محبة ؛ ولذلك قال الله تعالى عما يفعله الذين يسحرون:{. . . . . . . . . . . . . يفرقون بين المرء وزوجه . . . . . . . . . ( 102 )} ( البقرة ) فيغيرون حال المحبة بينهما بهذا الاستهواء .
فكل ما فعله السحرة الذين نازلوا موسى – عليه السلام – أنهم استطاعوا أن يموهوا على الأنظار ، وسحروا الأعين لا غيروا حقائق الأشياء ، فلم يجعلوا الحبل ثعبانا ، ولكن العيون مسحورة ، وأرهبوا الناس بعلمهم وجاءوا في هذا بسحر عظيم في بابه الذي أتقنوه ، إرادة الأجر من فرعون وإرضائه ، ليكونوا من المقربين عنده .