عندئذ أثر الحس في نفس موسى ، وخاف ألا ينتصر ، فأوحى الله إليه:{ أن ألق عصاك} ولقد صرح الله سبحانه في آية أخرى بما أوجس في نفس موسى خيفة فقال تعالى:{ فأوجس في نفسه خيفة موسى ( 67 ) قلنا لا تخف إنك أنت الأعلى ( 68 )} ( طه ) .
في وسط هذا المظهر السحري ، أوحى الله تعالى إلى موسى أن يلقي عصاه .
{ وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ ( 117 )} ، ألقى موسى عصاه ، فإذا هي حية تسعى ، وإذا هي تلقف وتبتلع حبالهم وعصيهم ،{ تلقف} مضارع لقف بمعنى تلقم وتبتلع ، وقد لقفت الحبال والعصي التي كان يراها الذين سحرت أعينهم حيات وأفاعي ، وقد قال تعالى:{ تلقف ما يأفكون} ، أي ما يصرفون به أعين الناس كاذبين ، وقد أطلق على الحبال والعصي ، أنها{ ما يأفكون} ؛ لأنها مادة إفكهم وكذبهم وتمويههم ، وتضليلهم .
وقد رأى السحرة أن هذا ليس بسحر ؛ لأن يعلمون أن السحر لا يغير الأشياء ، ولكن يموه على الأنظار ، ولكن هذا يغير الأشياء ، وليس تمويها على الأنظار ، فأدركوا أن آيته تعالى حق ، ولقد رأى بحس الأعين المستيقظة أن حبالهم ، وعصيهم لا وجود لها ، إذ ابتلعتها العصا .