جملة:{ وأوحينا} معطوفة على جمل{ سحروا أعين الناس ،واسترهبوهم وجاءوا بسحر عظيم}[ الأعراف: 116] ،فهي في حيز جواب لمّا ،أي: لمّا ألْقَوا سَحَروا ،وأوحينا إلى موسى أن الق لهم عصاك .
و{ أن} تفسيرية لفعل{ أوحينا} ،والفاء للتعقيب الدال على سرعة مفاجأة شروعها في التلقف بمجرد إلقائها ،وقد دل السياق على جملتين محذوفتين ،إذ التقدير: فألقاها فدبّت فيها الحياة وانقلبت ثعباناً فإذا هي تلقف ،دل على الجملة الأولى الأمر بالإلقاء ،وعلى الجملة الثانية التلقف لأنه من شأن الحيوان ،والعصا إذا دبت فيها الحياة صارت ثعباناً بدون تبديل شكل .
والتلقف: مبَالغة في اللقف وهو الابتلاع والازدراد .
و{ ما} موصولة والعائد محذوف أي: ما يأفكونه .والإفك: الصرف عن الشيء ويسمى الزور إفكاً ،والكذب المصنوعُ إفكاً ،لأن فيه صرفاً عن الحق وإخفاء للواقع ،فلا يسمى إفكاً إلاّ الكذبُ المصطنع المموه ،وإنما جعل السحر إفكاً لأن ما يظْهَر منه مخالف للواقع فشبه بالخبر الكاذب .
وقرأ الجمهور{ تَلَقّفَ} بقاف مشددة ،وأصله تتلقف ،أي تبالغ وتتكلف اللقف ما استطاعت ،وقرأ حفص عن عاصم: بسكون اللام وتخفيف القاف على صيغة المجرد .
والتعبير بصيغة المضارع في قوله:{ تَلقف} و{ يأفكون} للدلالة على التجديد والتكرير ،مع استحضار الصورة العجيبة ،أي: فإذا هي يتجدد تلقفها لِما يتجدد ويتكرر من إفكهم .وتسمية سحرهم إفكاً دليل على أن السحر لا معمول له وأنه مجرد تخييلات وتمويهات .