إن أهل الأعراف يقصدون إلى أهل الجنة قصدا ؛ لأنها مطعمهم ، ولكن لا يلتفتون إلى أهل النار لأنهم لا يريدون الاتجاه إليهم ، ولكن قد تصرف أنظارهم إليهم ؛ ولذال قال تعالى:{ وإذا صرفت أبصارهم تلقاء أصحاب النار قالواربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين ( 47 )} .
( التلقاء ) على وزن تفعال من اللقاء وهي هنا الناحية ، و ( صرفت ) مبني للمفعول وجهل فاعله لعدم الحاجة إلى ذكر من صرفهم ، إنما المراد أنهم صرفوا بوجوههم تلقاءهم غير عامدين ولا قاصدين ولا متجهين ، فهم يقع نظرهم عرضا على أهل النار فيقع بصرهم تلقاءهم .
وذلك لطمعهم في الجنة ، ورغبتهم في دخولها يتجهون إلى أهل الجنة عامدين مستبشرين راجيين أن يكونوا معهم ، أما نظرهم لأهل النار ، فهو عرض صرفوا إليه ولا يريدونه ، والتعبير بقوله تعالى:{ وإذا صرفت أبصارهم} إشارة إلى أن أبصارهم وقعت على أهل النار ، أو تلقاءهم من غير إرادة ، بل هي إرادة من صرفهم .
وإنهم إذا وقعت أنظارهم رأوا هول ما فيهم ، فإذا كانوا قد فرحوا عندما رأوا المؤمنين فهم عندما وقعت أنظارهم على أهل النار ، اعترتهم رهبة ، وخافوا على أنفسهم فقالوا:{ ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين} .
عندما يرون النار متأججة في الأجسام البشرية يأخذهم الهول ، فيتجهون إلى الله تعالى قائلين:ربنا الذي خلقتنا وكونتنا ، وقمت في الوجود علينا وأنت الحي القيوم لا تجعلنا مع القوم الظالمين الذين ظلموا أنفسهم وظلموا الحق وكذبوا طاعين بالآيات ، واستكبروا عن اتباع الأنبياء ، وأنغضوا رؤوسهم عن الحق إذ دعوا ، لا تجعلنا مع هؤلاء ، لا تجعلنا في هذه النار مثلهم فقد عتوا عتوا كبيرا ، ودخلوا في عذاب أليم اللهم قنا غضبك .