هذا ما قاله أهل الأعراف لأنفسهم ، وضرعوا إلى الله حماة لأنفسهم ، ولم يصبوا بالملامة يوجهونها لأهل النار ، وطمعهم في الجنة يلهمهم قول الحق .
{ ونادى أصحاب الأعراف رجالا يعرفونهم بسيماهم قالوا ما أغنى عنكم جمعكم وما كنتم تستكبرون ( 48 )} .
هذا الكلام موجه من أهل الأعراف لكبراء الشرك وزعمائه ، الذين كانوا يعتزون بعصبيتهم وبأنهم أكثر وأعز نفرا ، فإنهم كانوا يستكبرون عن أن يكونوا تابعين ، وهم أهل الجاه الدنيوي ، والكبرياء المادي ، ينادونهم ، لينبهوهم إلى ما يقولون لهم وقد قال الله تعالى في ذلك:{ ونادى أصحاب الأعراف رجالا يعرفونهم بسيماهم} .
نادوهم ليستمعوا إليهم في قول الحق ، وقد كانوا ينادون أهل الجنة يعرفونهم بسيماهم ، أما في هذه المرة ، فينادون:{ رجالا يعرفونهم بسيماهم} ، التي لم تغيرها النيران وإن كبتهم وسودتهم ، وذكر الرجال هنا للإشارة إلى أنهم يخاطبونهم فرادى تعريفا وتذكيرا بسيئاتهم متفردين عن غيرهم .
{ قالوا ما أغنى عنكم جمعكم وما كنتم تستكبرون} .
قال لهم وقد عرفوهم وعينوهم:{ ما أغنى عنكم جمعكم} ، وهو العصبية الجاهلية التي كانت تجمعهم على العناد والغطرسة ، ويتعاونون لا لإحقاق الحق ، ولكن على الإثم والعدوان ، ويدخل فيه قوة المال الذي يعتزون به والنفر الذي يستنصرون به ونظرهم لأنفسهم على أنهم أعلى من غيرهم واستكبارهم عن الإيمان بالآيات بتكذيبها .
ومن استكبارهم أيضا أنهم يرون أن أتباع النبيين ضعفاء فقراء عبيد فقط ، كما قاله قوم نوح لنوح:{. . . . . . . . . وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادي الرأي . . . . . . . . . . ( 26 )} ( هود ) .
فسألهم أهل الأعراف:هل أغنى عنكم هذا فلم يعذبكم الله تعالى ، بل أنتم هؤلاء في الجحيم تذوقون عاقبة ذلك ، تريدون النجاة ولا مناجاة .