{ وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّه فَإِنِ انتَهَوْاْ فَإِنَّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} .
الفتنة في الدين:إيذاء المؤمن لمنعه من اعتقاد ما يراه الحق ، أو من الاستمرار عليه ، وحمله على تركه بعد اعتقاده ، كما يفعل المشركون في مكة مع المؤمنين ، وكمنا فعل أصحاب الأخدود الذين قال الله تعالى فيهم:{ قتل أصحاب الأخدود ( 4 ) النار ذات الوقود ( 5 ) إذ هم عليها قعود ( 6 ) وهم على ما يفعلون بالمؤمنين شهود ( 7 ) وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد ( 8 )} ( البروج ) .
ومن الفتنة في الدين أن يمنع الداعي إلى الحق من الدعوة إليه ، وان يمنع تعريف الناس بهذا الحق . وكان الناس يفتنون في دينهم بعد دعوة محمد صلى الله عليه وآله وسلم إلى الحق ، فكانوا في مكة يفتنون ، وقتل في الشام من أسلم من العرب ، وحيل بين الدعوة الإسلامية ، وأن تصل إلى الناس ، والقتال يستمر إلى أن يزول سببه ، وأن يكون الدين كله لله تعالى بأن يطلب الرجل الدين خالصا لا إرهاق ولا ضلال ، بل يعتقد ما يعتقدا مخلصا لله طالبا وجه الله والحق لا يبغي سواه ، وهذا معنى قوله تعالى:{ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّه} ، وإنه إذا طلب الدين كله لله سبحانه وتعالى ، لا يفكر فيه كله إلا من هو لله مخلص مستقيم فإنه لا يمكن أن يكون مشركا ، بل لابد أن يكون مؤمنا بالله الواحد الأحد الذي ليس بوالد ولا ولد ، فإنه حينئذ يسلم كل أمر في وجهه لله تعالى بعيدا عن تأثير الملوك والرؤساء ، وتضليل المضلين ، هذا هو ما يشير إليه قوله تعالى:{ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّه} ، أي يكون التدين كله لله تعالى .
إن نهاية القتال تكون بانتهاء الفتن في العقيدة ، وأن يكون طلب الدين ، وقد قال تعالى:{ فَإِنِ انتَهَوْاْ فَإِنَّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} ، والمعنى إن انتهوا عن الشر والاعتداء والفتنة في الدين ، والإيذاء في الاعتقاد ، فإن الله تعالى:{ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} ، أي أنه مراقب نفوسهم وعليهم بما تخفي صدورهم ، وما يجيش بنفوسهم ، وفي هذا بيان علم الله الكامل ، وتهديد لهم إن عادوا ، كما فيه تبشير لهم إن استقاموا على الطريقة ، وفي آية يقول الله تعالى:{ وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين ( 193 )} ( البقرة ) .