وإن الله دائما يفتح باب الرحمة ، ويذكر العذاب .
قُل لِلَّذِينَ كَفَرُواْ إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُواْ فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الأَوَّلِينِ ( 38 ) وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّه فَإِنِ انتَهَوْاْ فَإِنَّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ( 39 ) وَإِن تَوَلَّوْاْ فَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَوْلاَكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ ( 40 )
إن الذنوب مهما تكبر ، فباب التوبة مفتوح فما أنزل الله الرسل ليحصوا عدد الذين أساءوا ، بل للدعوة إلى الحق ، وقد يكفرون فالدعوة تستمر لهدايتهم ، ومن يستجب منهم تجب استجابته ما كان منه من قبل ؛ ولذلك كان الباب مفتوحا ، ولذا أمر الله نبيه – مع كفرهم – أن يقول لهم:{ قُل لِلَّذِينَ كَفَرُواْ إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ} .
يأمر الله نبيه بأن يقول لهم في شأن الذين كفروا متحدثا عن مآلهم إن ينتهوا عما هم فيه من كفر ومشاقة للمؤمنين ومحاربة للحق – يغفر لهم ما سلف من أعمالهم ، ويدخلون في الإسلام طاهرين مبتدئين حياة جديدة هي طهر وتقى ونقاء . وهناك قراءة بالخطاب ، ورويت عن ابن مسعود:( إن تنتهوا يغفر لكم ما قد سلف ) ولكن القراءة المشهورة الأولى ، ، ويكون المعنى قل مخاطبا لهم إن تنتهوا يغفر لكم ما قد سلف .
والتعبير بالذين كفروا في موضعه ، لأنهم متلبسون بالكفر ، ومع تلبسهم بالكفر ، إن ينزعوه من إهابهم ويلبسوا لباس الإيمان وينتهوا من أرجاسه يغفر لهم ما قد سلف ؛ لأن الإسلام يجب ما قبله ، وعبر عن الإيمان بعد الكفر ب ( الانتهاء ) للإشارة إلى أن الفطرة هي الإيمان ، وأن الكفر عارض على النفس وهو حال قابلة للانتهاء ، وإذا انتهت عاد الطهر والنقاء .
وقال تعالى:{ يُغَفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ} ، من حرب وإيذاء ، ولبس الحق بالباطل ، وكل ما كان منهم من جرائم في جنب الله ، فالله غفور رحيم ، وما ارتكبوا من زور وربا موضوع ، وكل دماء الجاهلية موضوع ، فكل ذلك داخل في قوله تعالى:{ يُغَفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ} .
وقرر الفقهاء أن الحربي إذا أسلم لم تبق عليه تبعة من حقوق الله تعالى ، لأنه إذا غفر الشرك فما دونه أولى بالغفران ، إلا ما كان من حقوق العباد كديون عليه ، أو أكل مال بالباطل أو نحو ذلك ، والذمي إذا أسلم فإن الحدود تقام عليه وحقوق العباد تجب على العباد ؛ لأن ذلك يلزمه بمقتضى عقدا الذمة ، والإيمان يؤكد الالتزامات ولا يسقطها .
وقوله تعالى:{ وَإِنْ يَعُودُواْ فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الأَوَّلِينِ} ظاهر النص إن يعودوا إلى الكفر بعد الإيمان فإن معاملة الكافرين تعود إليهم ، فمعنى{ فَقَدْ مَضَتْ} ، أي فقد تقررت سنة الأولين ، وهي معاداتهم لله تعالى ، منزل بهم ما نزل بالأولين من إخضاعهم للحق بالمحاربة وتنكيس رءوسهم ، وإقامة الحق ، أو تدمير ديارهم بزلزال مدمر أو حاصب من السماء ، وإن سنة الأولين إما سلم مخزية ، أو حرب مجلية ، كما في بدر ، أو ريح عاصف أو سيل عال .