وإن المؤمنين في جنة ونعيم مقيم .
وكان الكافرون في جهنم ليتميزوا بعقابهم ، ولذا قال تعالى:
{ لِيَمِيزَ اللّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَىَ بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} .
الآية متصلة بالآية التي قبلها ، فاللام متعلقة بقوله تعالى:{ يحشرون} في آخر الآية السابقة ، أي أن الله تعالى يحشر أولئك الكافرين في جهنم دون غيرها يمسهم فيها النصب واللغون كلما نضجت جلودهم بدلوا جلودا غيرها ، كان ذلك الحشر{ لِيَمِيزَ اللّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ} والخبث هو الكافر ، والطيب هو المؤمن ، وأظهر في موضع الإضمار ، فلم يقل ليميزهم عن المؤمنين ؛ وذلك لبيان أن الكافر خبيث في عقله وفكره وعمله واعتقاده ، ولبيان أن المؤمن طيب في نفسه واعتقاده وعمله وخير كله ، ولبيان أن الخبث لا ينتج إلا الحشر في جهنم ، وأن الطيب لا ينتج إلا خيرا ، وهذا النص يفيد بإشارة القول ولمح البيان أن جزاء الطيبين نعيم مقيم .
وإن الخبيث يجتمع بعضهم إلى بعضه ، يضم الخبيث إلى الخبيث ويتراكم عليه ، حتى يكادوا يكونون عليه لبدا ، وقد عبر الله تعالى عن ذلك بقوله تعالت كلماته:{ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَىَ بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً} ، تعبير يتناسب مع تكاثف شيء كله خبيث ، أي يجعل الله تعالى الخبيث الحاضر فوق الخبيث الغابر ، فوق ما سبقه ، فنظمه جميعا بعضه لبعضه ، وفي هذا إشارة إلى أن في جهنم مكانا للجميع ، وإن كان مزدحما متراكما ، وإشارة إلى تلاحق الحاضرين مع من يقلدونهم ، وإشارة إلى تميزهم على الطيبين ، أو تميز الطيبين عنهم ، وإن هذا كله ينبئ عن الخسارة المطلقة التي لا كسب فيها ؛ ولذلك قال تعالى:
{ أُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} .
الإشارة إلى الذين أنفقوا ليصدوا عن سبيل الله ، ومن كان إنفاقهم حسرة عليهم ، والذين حشروا إلى جهنم ، وكانوا قد حملوا الخبث ، أي أولئك الذين كان منهم هذا وجوزوا ذلك الجزاء – هم الخاسرون ، وفي الكرم قصر بتعريف الطرفين ، أي أولئك هم الخاسرون وحدهم خسروا الدنيا والآخرة ، وذلك هو الخسران المبين .