القول في تأويل قوله:لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (37)
قال أبو جعفر:يقول تعالى ذكره:يحشر الله هؤلاء الذين كفروا بربهم, وينفقون أموالهم للصدّ عن سبيل الله، إلى جهنم, ليفرق بينهم= وهم أهل الخبث، كما قال وسماهم "الخبيث "= وبين المؤمنين بالله وبرسوله, وهم "الطيبون "، كما سماهم جل ثناؤه. فميَّز جل ثناؤه بينهم بأن أسكن أهل الإيمان به وبرسوله جناته, وأنـزل أهل الكفر نارَه. (46)
* * *
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
16067 - حدثني المثنى قال:حدثنا أبو صالح قال:حدثني معاوية, عن علي, عن ابن عباس قوله:"ليميز الله الخبيث من الطيب "فميَّز أهل السعادة من أهل الشقاوة.
16068 - حدثني محمد بن الحسين قال:حدثنا أحمد بن المفضل قال:حدثنا أسباط, عن السدي قال:ثم ذكر المشركين, وما يصنع بهم يوم القيامة, فقال:"ليميز الله الخبيث من الطيب "، يقول:يميز المؤمن من الكافر، فيجعل الخبيث بعضه على بعض .
* * *
ويعني جل ثناؤه بقوله:"فيجعل الخبيث بعضه على بعض "، فيحمل الكفار بعضهم فوق بعض = "فيركمه جميعا "، يقول:فيجعلهم ركامًا, وهو أن يجمع بعضهم إلى بعض حتى يكثروا, كما قال جل ثناؤه في صفة السحاب:ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا[سورة النور:43]، أي مجتمعًا كثيفًا، وكما:-
16069 - حدثني يونس قال:أخبرنا ابن وهب قال:قال ابن زيد, في قوله:"فيركمه جميعًا "، قال:فيجمعه جميعًا بعضه على بعض.
* * *
وقوله:"فيجعله في جهنم "يقول:فيجعل الخبيث جميعًا في جهنم= فوحَّد الخبر عنهم لتوحيد قوله:"ليميز الله الخبيث ",ثم قال:"أولئك هم الخاسرون "، فجمع، ولم يقل:"ذلك هو الخاسر ",فردَّه إلى أول الخبر.
ويعني ب "أولئك "، الذين كفروا, وتأويله:هؤلاء الذين ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله "هم الخاسرون "، ويعني بقوله:"الخاسرون "الذين غُبنت صفقتهم، وخسرت تجارتهم. (47) وذلك أنهم شَرَوْا بأموالهم عذابَ الله في الآخرة, وتعجَّلوا بإنفاقهم إياها فيما أنفقوا من قتال نبيّ الله والمؤمنين به، الخزيَ والذلَّ.
------------------
الهوامش:
(46) انظر تفسير "الخبيث "فيما سلف ص:165 ، تعليق:3 ، 4 ، والمراجع هناك .
= وتفسير "الطيب "فيما سلف من فهارس اللغة ( طيب ) .
(47) انظر تفسير "خسر "فيما سلف 12:579 ، تعليق:2 ،المراجع هناك .