وهم لا يفاخرون إلا بما آتاهم الله من مال وولد ، ولا يستطيعون المفاخرة بمكارم ، ولذا قال تعالى:{ ولا تعجبك أموالهم وأولادهم إنما يريد الله أن يعذبهم بها في الدنيا وتزهق أنفسهم وهم كافرون85} .
تقدمت هذه الآية في هذه السورة عند الكلام على ما يتمناه المنافقون للمؤمنين ، ومنع النبي صلى الله عليه وسلم من أن يقبل منهم نفقاتهم ، فقد قال تعالى في ذلك:{ وما منعهم أن تقبل منهم نفقاتهم إلا أنهم كفروا بالله وبرسوله ولا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى ولا ينفقون إلا وهم كارهون54} .
ونرى الآيتين متلاقيتين في المعنى والألفاظ ، إلا في حرفين:أولهما- أنه هنا عبر( بالواو ) فقال تعالى:{ ولا تعجبك أموالهم وأولادهم} وفي الآية السابقة عبر ( بالفاء ) ولها مناسبتها ، والثاني –أنه في هذه الآية لم تذكر( لا ) بعد{ أموالهم} ، وفي الآية السابقة ذكرت لا وأيضا فالنص السابق"إنما يريد الله أن يعذبهم في الحياة الدنيا"وفي هذه الآية:{ إنما يريد الله أن يعذبهم بها في الدنيا} .
وإن هذا الاختلاف في الألفاظ هو تصريف القول الذي هو من أسباب الإعجاز البياني ، كما قال تعالى:{ وكذلك نصرف الآيات . . .105}( الأنعام ) .
فهل يعد هذا من التكرار ؟ نقول إنه يكون من التكرار إذا كانت المناسبة التي ذكرت فيها الآيتان واحدة ، أما إذا اختلفت المناسبة ، فإنها تغير المقصود ، وإذا تغير المقصود لا يكون المعنى واحدا من كل الوجوه .
وقد كانت المناسبة في الآية السابقة أن الله منع رسوله من أن يقبل منهم نفقات في الحروب ، ومعاونات فيها ، مهما تكن أموالهم كثيرة ، وأنهم أعز نفرا ، فالله هو الغني الحميد .
وأما المناسبة هنا فهي النهي عن الصلاة عليهم بسبب كفرهم ، وتأكيد ذلك النهي عن الاستغفار لهم ، وحلفهم الدائم ، وقد كان يظن أن يكون مالهم وأولادهم توجب العطف ، فبين الله تعالى أن ذلك كله لا يسوغ العطف عليهم ، ولا رجاء الخير منهم .
ولقد قال الزمخشري في تكرار بعض الآيات:وقد أعيد قوله تعالى:{ ولا تعجبك} ؛ لأن تجدد النزول له شأن في تقرير ما نزل الله تعالى وتأكيده ، وإرادة أن يكون على بال المخاطب لا ينساه ، ولا يسهو عنه ، وأن يعتقد أن العمل به مهم يفتقر إلى فضل عناية ، ولا سيما إذا تراخى ما بين النزولين فأصبح الشيء الذي أهم صاحبه فهو يرجع إليه في أثناء حديثه ويتخلص إليه ، وإنما أعيد هذا المعنى لقوته فيما يجب أن يحذر منه .