وأتبع{ الذي جمع مالاً وعدده} لزيادة تشنيع صفتيه الذميمتين بصفة الحرص على المال .وإنما ينشأ ذلك عن بخل النفس والتخوف من الفقر ،والمقصود من ذلك دخول أولئك الذين عُرفوا بهمز المسلمين ولمزهم الذين قيل إنهم سبب نزول السورة لتعيينهم في هذا الوعيد .
واسم الموصول من قوله:{ الذي جمع مالاً} نعت آخر ولم يعطف{ الذي} بالواو لأن ذكر الأوصاف المتعددة للموصوف الواحد يجوز أن يكون بدون عطف نحو قوله تعالى:{ ولا تطع كل حلاف مهين هماز مشاء بنميم مناع للخير معتد أثيم عتل بعد ذلك زنيم}[ القلم: 10 13] .
والمال: مكاسب الإِنسان التي تنفعه وتكفي مؤونة حاجته من طعام ولباس وما يتخذ منه ذلك كالأنعام والأشجار ذات الثمار المثمرة .وقد غلب لفظ المال في كل قوم من العرب على ما هو الكثير من مشمولاتهم فغلب اسم المال بين أهل الخيام على الإِبل قال زهير:
فكُلاّ أراهم أصبحوا يعقلونه *** صحيحاتِ مال طالعات بمخرم
يريد إبل الدية ولذلك قال: طالعات بمخرم .
وهو عند أهل القرى الذين يتخذون الحوائط يغلب على النخل يقولون خرج فلان إلى مَاله ،أي إلى جناته ،وفي كلام أبي هريرة:"وإن إخواني الأنصار شغلهم العمل في أموالهم"وقال أبو طلحة: « وإن أحب أموالي إليَّ بئرُ حاء » .
وغلب عند أهل مكة على الدراهم لأن أهل مكة أهل تجر ومن ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم للعباس:"أينَ المال الذي عند أم الفضل".
وتقدم في قوله تعالى:{ لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون} سورة آل عمران ( 92 ) .
ومعنى:{ عدده} أكْثر من عدِّه ،أي حسابه لشدة ولعه بجمعه فالتضعيف للمبالغة في ( عدَّ ) ومعاودته .
وقرأ الجمهور{ جمع مالاً} بتخفيف الميم ،وقرأه ابن عامر وحمزة والكسائي وأبو جعفر ورويس عن يعقوب وخلفٌ بتشديد الميم مزاوجاً لقوله:{ عدده} وهو مبالغة في{ جمع} .وعلى قراءة الجمهور دل تضعيف{ عدده} على معنى تكلف جمعه بطريق الكناية لأنه لا يكرر عده إلا ليزيد جمعه .
ويجوز أن يكون{ عدده} بمعنى أكثر إعداده ،أي إعداد أنواعه فيكون كقوله تعالى:{ والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث}[ آل عمران: 14] .