قوله:{ وإنا لجميع حاذرون} حثّ لأهل المدائن على أن يكونوا حَذِرين على أبلغ وجه إذ جعل نفسه معهم في ذلك بقوله:{ لجميع} وذلك كناية عن وجوب الاقتداء به في سياسة المملكة ،أي إنا كلَّنا حَذرُون ،ف{ جميع} وقع مبتدأ وخبرُه{ حاذرون} ،والجملة خبر{ إنَّ} ،و ( جميع ) بمعنى: ( كل ) كقوله تعالى:{ إليه مرجعكم جميعاً} في سورة يونس ( 4 ) .
و{ حَاذِرون} قرأه الجمهور بدون ألف بعد الحاء فهو جمع حَذِر وهو من أمثلة المبالغة عند سيبويه والمحققين .وقرأه حمزة وعاصم والكسائي وابن ذكوان عن ابن عامر وخلف بألف بعد الحاء جمع ( حَاذر ) بصيغة اسم الفاعل .والمعنى: أن الحَذَر من شيمته وعادته فكذلك يجب أن تكون الأمة معه في ذلك ،أي إنا من عادتنا التيقظ للحوادث والحَذرُ مما عسى أن يكون لها من سيّىء العواقب .
وهذا أصل عظيم من أصول السياسة وهو سدّ ذرائع الفساد ولو كان احتمالُ إفضائها إلى الفساد ضعيفاً ،فالذرائع الملغاة في التشريع في حقوق الخصوص غير ملغاة في سياسة العموم ،ولذلك يقول علماء الشريعة: إن نظر ولاة الأمور في مصالح الأمة أوسع من نظر القضاة ،فالحذر أوسع من حفظ الحقوق وهو الخوف من وقوع شيء ضار يمكن وقوعه ،والترصدُ لِمنع وقوعه ،وتقدم في قوله{ يَحْذَر المنافقون} في براءة ( 64 ) .والمحمود منه هو الخوف من الضارّ عند احتمال حدوثه دون الأمر الذي لا يمكن حدوثه فالحذرُ منه ضرب من الهوس .
وهذا يرجح أن يكون المحذور هو الاغترار بإيمان السحرة بالله وتصديق موسى ويبعِّد أن يكون المراد خروج بني إسرائيل من مصر لأنه حينئذ قد وقع فلا يحذر منه وإنما يكون السعي في الانتقام منهم .