عطف على{ وإذْ زاغتْ الأبصار}[ الأحزاب: 10] فإن ذلك كله مما ألحَق بالمسلمين ابتلاء فبعضه من حال الحرب وبعضه من أذى المنافقين ،ليحذروا المنافقين فيما يحدث من بعد ،ولئلا يخشوا كيدهم فإن الله يصرفه كما صرف أشدَّه يوم الأحزاب .
وقول المنافقين هذا يحتمل أن يكونوا قالوه عَلَناً بين المسلمين قصدوا به إدخال الشك في قلوب المؤمنين لعلهم يردونهم عن دينهم فأوهموا بقولهم{ ما وَعَدَنا الله ورسوله} الخ ...أنهم ممن يؤمن بالله ورسوله ،فنسبة الغرور إلى الله ورسوله إما على معنى التشبيه البليغ وإما لأنهم بجهلهم يجوزون على الله أن يغرّ عباده ،ويحتمل أنهم قالوا ذلك بين أهل ملتهم فيكون نسبْة الوعد إلى الله ورسوله تهكماً كقول فرعون{ إنّ رسولكم الذي أُرْسِل إليكم لمجنون}[ الشعراء: 27] .
والغرور: ظهور الشيء المكروه في صورة المحبوب ،وقد تقدم عند قوله تعالى:{ لا يغرنّك تقلُّبُ الذين كفروا في البلاد} في سورة آل عمران ( 196 ) ،وقوله تعالى:{ زُخْرف القول غروراً} في سورة الأنعام ( 112 ) .والمعنى: أن الله وعدهم النصر فكان الأمر هزيمة وهم يعنون الوعد العام وإلاَّ فإن وقعة الخندق جاءت بغتة ولم يُرْوَ أنهم وُعدوا فيها بنصر .والذين في قلوبهم مرض} هم الذين كانوا مترددين بين الإيمان والكفر فأخلصوا يومئذ النفاق وصمّمُوا عليه .
والمراد بالطائفة الذين قالوا:{ يا أهل يثرب لا مقامَ لكم فارجعوا} عبدُ الله بن أبيِّ ابنُ سَلول وأصحابُه .كذا قال السدي .وقال الأكثر: هو أوس بن قَيظي أحدُ بني حارثة ،وهو والد عَرابة بن أوس الممدوح بقول الشمّاخ:
رأيت عرابةَ الأوْسيَّ يسمو *** إلى الخيرات منقطع القرين
في جماعة من منافقي قومه .والظاهر هو ما قاله السُدّي لأن عبد الله بن أبَيّ رأس المنافقين ،فهو الذي يدعو أهل يثرب كلّهم .