والصيحة: المرة من الصياح ،بوزن فعلَة ،فوصفها بواحدة تأكيد لمعنى الوحدة لئلا يتوهم أن المراد الجنس المفرد من بين الأجناس ،و{ صَيْحَةً} منصوب على أنه خبر{ كَانَتْ} بعد الاستثناء المفرّغ ،ولحاق تاء التأنيث بالفعل مع نصب{ صَيْحَةً} مشير إلى أن المستثنى منه المحذوف العقوبة أو الصيحة التي دلت عليها{ صيحة واحِدةً ،} أي لم تكن العقوبة أو الصيحة إلا صيحةً من صفتها أنها واحدة إلى آخره .وقرأ أبو جعفر برفع{ صَيْحَةٌ} على أن « كان » تامة ،أي ما وقعت إلا صيحة واحدة .
ومجيء « إذا » الفجائية في الجملة المفرعة على{ إن كَانَتْ إلاَّ صَيْحَةً واحدة} لإِفادة سرعة الخمود إليهم بتلك الصيحة .وهذه الصيحة صاعقة كما قال تعالى حكاية عن ثمود:{ فأخذتهم الصيحة}[ الحجر: 73] .
والخمود: انطفاء النار ،استعير للموت بعد الحياة المليئة بالقوة والطغيان ،ليتضمن الكلام تشبيه حال حياتهم بشبوب النار وحال موتهم بخمود النار فحصل لذلك استعارتان إحداهما صريحة مصرحة ،وأخرى ضمنية مكنية ورمزها الأُولى ،وهما الاستعارتان اللتان تضمنهما قول لبيد:
وما المرء إلا كالشهاب وضوئه *** يَحور رماداً بعد إذ هو ساطع
وتقدم قوله تعالى:{ حتى جعلناهم حصيداً خامدين} في سورة الأنبياء} ( 15 ) ،فكان هذا الإِيجاز في الآية بديعاً لحصول معنى بيت لبيد في ثلاث كلمات .وهذا يشير إلى حدث عظيم حدث بأهل أنطاكية عقب دعوة المرسلين وهو كرامة لشهداءِ أتباع عيسى عليه السلام ،فإن كانت الصيحة صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود كان الذين خمدوا بها جميعَ أهل القرية فلعلهم كانوا كفاراً كلهم بعد موت الرجل الذي وعظهم وبعد مغادرة الرسل القرية .ولكن مثل هذا الحادث لم يذكر التاريخ حدوثه في أنطاكية ،فيجوز أن يهمل التاريخ بعض الحوادث وخاصة في أزمنة الاضطراب والفتنة .