قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وروححِ عن يعقوب برفع{ والقَمَرُ} فهو إما معطوف على{ والشمس تجري}[ يس: 38] عطفَ المفردات ،وإما مبتدأ والعطف من عطف الجمل .
وجملة{ قَدَّرْناهُ} إما حال وإما خبر .وقرأه ابن عامر وعاصم وحمزة والكسائي وأبو جعفر ورويس عن يعقوب وخلَفٌ بنصب{ القمرَ} على الاشتغال فهو إذن من عطف الجمل .
وتقدّم تفسير منازل القمر عند قوله تعالى:{ وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب} في سورة يونس} ( 5 ) .
والتقدير: يطلق على جعل الأشياء بقدْر ونظام محكم ،ويطلق على تحديد المقدار من شيء تطلب معرفة مقداره مثل تقدير الأوقات وتقدير الكميات من الموزونات والمعدودات ،وكلا الإِطلاقين مراد هنا .فإن الله قدّر للشمس والقمر نظامَ سيرهما وقدّر بذلك حساب الفصول السنوية والأشهر والأيام والليالي .
وعُدّي فعل{ قَدَّرْناهُ} إلى ضمير{ القمر} الذي هو عبارة عن ذاته وإنما التقدير لسيره ولكن عدي التقدير إلى اسم ذاته دون ذكر المضاف مبالغة في لزوم السَّير له من وقت خَلقه حتى كأنَّ تقدير سيره تقدير لذاته .
وانتصب{ مَنَازِلَ} على الظرفية المكانية مثل: سرت أميالاً ،أي قدرنا سيره في منازل ينتقل بسيره فيها منزلة بعد أخرى .
و{ حتى} ابتدائية ،أي ليست حرف جر فإن ما بعدها جملة .ومعنى الغاية لا يفارق{ حتى} فآذن ما فيها من معنى الغاية بمغيّا محذوف فالغاية تستلزم ابتداء شيء .والتقدير: فابتدأ ضوؤه وأخذ في الازدياد ليلة قليلة ثم أخذ في التناقص حتى عاد ،أي صار كالعرجون القديم ،أي شبيهاً به .وعبر عنه بهذا التشبيه إذ ليس لضوء القمر في أواخر لياليه اسم يعرف به بخلاف أول أجزاء ضوئه المسمّى هلالاً ،ولأن هذا التشبيه يماثل حالة استهلاله كما يماثل حالة انتهائه .
و{ عَادَ} بمعنى صار شكله للرائي كالعرجون .والعرجون: العود الذي تخرجه النخلة فيكون الثمر في منتهاه وهو الذي يبقى متصلاً بالنخلة بعد قطع الكَبَاسَة منه وهي مجتمع أعواد التمر .
و{ القديم}: هو البالي لأنه إذا انقطع الثمر تَقوس واصفَارّ وتضاءل فأشبه صورة ما يواجه الأرض من ضوء القمر في آخر ليالي الشهر وفي أول ليلة منه ،وتركيب{ عَادَ كالعُرجُونِ القَدِيمِ} صالح لصورة القمر في الليلة الأخيرة وهي التي يعقبها المحاق ولصورته في الليلة الأولى من الشهر هو الهلال .وقد بُسط لهم بيان سير القمر ومنازله لأنهم كانوا يتقنون علمه بخلاف سير الشمس .