ويتعلق قوله:{ لِتْنذِرَ} بقوله:{ عَلَّمْناهُ} باعتبار ما اتصل به من نفي كونه شعراً ثم إثباتتِ كونه ذكراً وقرآناً ،أي لأن جملة{ إن هو إلا ذكر} بيان لما قبلها في قوة أن لو قيل: وما علمناه إلا ذكراً وقرآناً مبيناً لينذر أو لتنذر .وجعلهُ ابن عطية متعلقاً ب{ مُبِينٌ} .
وقرأ نافع وابن عامر وأبو جعفر ويعقوب{ لَتُنذِرَ} بتاء الخطاب على الالتفات من ضمير الغيبة في قوله:{ عَلَّمْناهُ} إلى ضمير الخطاب .وقرأه الباقون بياء الغائب ،أي لينذر النبي الذي علمناه .
والإِنذار: الإِعلام بأمر يجب التوقي منه .
والحيّ: مستعار لكامل العقل وصائب الإِدراك ،وهذا تشبيه بليغ ،أي مَن كان مثل الحي في الفهم .
والمقصود منه: التعريض بالمُعرِضين عن دلائل القرآن بأنهم كالأموات لا انتفاع لهم بعقولهم كقوله تعالى:{ إنك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين}[ النمل: 80] .
وعطف{ ويَحِقَّ القولُ على الكافِرِينَ} على{ لِتُنذِرَ} عطفَ المجاز على الحقيقة لأن اللام النائب عنه واو العطف ليس لام تعليل ولكنه لام عاقبة كاللام في قوله تعالى:{ فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدواً وحزناً}[ القصص: 8] .ففي الواو استعارة تبعية ،وهذا قريب من استعمال المشترك في معنييه .وفي هذه العاقبة احتباك إذ التقدير: لتنذر من كان حيّاً فيزداد حياة بامتثال الذكر فيفوز ومن كان ميتاً فلا ينتفع بالإِنذار فيحق عليه القول ،كما قال تعالى في أول السورة:
{ إنَّما تُنذِرُ مَن اتَّبَعَ الذِّكر وخَشِيَ الرحمن بالغيبِ فبشرْهُ بمغْفِرَةٍ وأجْرٍ كَرِيمٍ}[ يس: 11] ،فجمع له بين الإِنذار ابتداء والبشارة آخراً .
و{ القول}: هو الكلام الذي جاء بوعيد من لم ينتفعوا بإنذار الرسول صلى الله عليه وسلم .
والمراد بالكافرين: المستمرون على كفرهم وإلا فإن الإِنذار ورد للناس أول ما ورد وكلهم من الكافرين .
وفي ذكر الإِنذار عوْد إلى ما ابتدئت به السورة من قوله:{ لتنذر قوماً ما أُنذِرَ ءَاباؤُهم فهم غافِلُونَ}[ يس: 6] فهو كرد العجز على الصدر ،وبذلك تمّ مجال الاستدلال عليهم وإبطال شبههم وتخلص إلى الامتنان الآتي في قوله:{ أوّلَمْ يَروا أنَّا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعَاماً}[ يس: 71] إلى قوله:{ أفلا يشكرون}[ يس: 73] .