ومعنى{ أبصرهم} انظر إليهم ،أي من الآن ،وعدّي ( أبصر ) إلى ضميرهم الدال على ذواتهم ،وليس المراد النظر إلى ذواتهم لكن إلى أحوالهم ،أي تأملْ أحوالهم ترَ كيف ننصرك عليهم ،وهذا وعيد بما حلّ بهم يوم بدر .
وحذف ما يتعلق به الإِبصار من حال أو مفعول معه بتقدير: وأبصرهم مأسورين مقتولين ،أو وأبصرهم وما يُقضى به عليهم من أسر وقتل لدلالة ما تقدم من قوله:{ إنَّهُم لهمُ المنصُورون وإن جُندنا لهم الغالِبُونَ}[ الصافات: 172 ،173] عليه ،إذ ليس المأمور به أيضاً ذواتهم ،وهذا من دلالة الاقتضاء .وصيغة الأمر في{ وأبْصرهُم} مستعملة في الإِرشاد على حد قول:
إذا أعجبتك الدهر حال من امرىء *** فدعه وواكل أمره واللياليا
أي إذا شئت أن تتحقق قرارة حاله فانتظره .
وعبر عن ترتب نزول الوعيد بهم بفعل الإِبصار للدلالة على أن ما توعدوا به واقع لا محالة وأنه قريب حتى أن الموعود بالنصر يتشوف إلى حلوله فكان ذلك كناية عن تحققه وقربه لأن تحديق البصر لا يكون إلا إلى شيء أشرف على الحلول .
وتفريع{ فسوف يبصرون} على{ وأبصرهم} تفريع لإِنذارهم بوعيد قريب على بشارة النبي بقربه فإن ذلك المبصر يَسرّ النبي صلى الله عليه وسلم ويحزن أعداءه ،ففي الكلام اكتفاء ،كأنه قيل: أبصرهم وما يَنزل بهم فسوف تُبصر ما وعدناك وليُبصروا ما ينزل بهم فسوف يبصرونه .وحذف مفعول{ يُبصرون} لدلالة ما دلت عليه دلالة الاقتضاء .واعلم أن تفريع{ فسوف يُبصرون} على{ وأبصرهم} يمنع من إرادة أن يكون المعنى: وأبصرهم حين ينزل بهم العذاب بعد ذلك الحين كما لا يخفى .