كان قوله:{ لأنْ أكُونَ أوَّلَ المُسلمين} علة ل{ أعبد الله مخلصاً له الدين} ،فالتقدير: وأمِرت بذلك لأن أكون أول المسلمين ،فمتعلِّق{ أُمِرْتُ} محذوف لدلالة قوله:{ أن أعبد الله مخلصاً له الدين} عليه .ف{ أول} هنا مستعمل في مجازه فقط إذ ليس المقصود من الأولية مجرد السبق في الزمان فإن ذلك حصل فلا جدوى في الإِخبار به ،وإنما المقصود أنه مأمور بأن يكون أقوى المسلمين إسلاماً بحيث أن ما يقوم به الرسول من أمور الإِسلام أعظم مما يقوم به كل مسلم كما قال: إني لأتقاكم لله وأعلمكم به .
وعطف{ وأمرت} الثاني على{ أُمِرْتُ} الأول للتنويه بهذا الأمر الثاني ولأنه غَاير الأمر الأول بضميمة قيد التعليل فصار ذكر الأمر الأول لبيان المأمور ،وذكرُ الأمر الثاني لبيان المأمور لأجله ،ليشير إلى أنه أمر بأمرين عظيمين: أحدهما يشاركه فيه غيره وهو أن يعبد الله مخلصاً له الدين ،والثاني يختص به وهو أن يعبده كذلك ليكون بعبادته أولَ المسلمين ،أي أمره الله بأن يبلُغ الغاية القصوى في عبادة الله مخلصاً له الدين ،فجعل وجوده متمحضاً للإِخلاص على أي حال كان كما قال في الآية الأخرى:{ قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين}[ الأنعام: 162 ،163] .
واعلم أنه لما كان الإِسلام هو دين الأنبياء في خاصتهم كما تقدم عند قوله تعالى{ فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون} في سورة[ البقرة: 132] ونظائرها كثيرة ،كانت في هذه الآية دلالةٌ على أن محمداً صلى الله عليه وسلم أفضل الرسل لشمول لفظ المسلمين للرسل السابقين .