جملة{ يا عبادي} مقولة لقول محذوف دلت عليه صيغة الخطاب ،أي نقول لهم أو يقول الله لهم .
وقرأ الجمهور{ يا عبادي} بإثبات الياء على الأصل .وقرأه حفص والكسائي بحذف ( ياء ) المتكلم تخفيفاً .قال ابن عطية قال أبو علي: وحذفها حسن لأنها في مَوْضِعِ تنوين وهي قد عاقبته فكما يحذف التنوين في الاسم المفرد المنادَى كذلك تحذف اليَاء هنا .
ومفاتحة خطابهم بنفي الخوف عنهم تأنيس لهم ومنة بإنجائهم من مثله وتذكيرٌ لهم بسبب مخالفة حالهم لِحال أهل الضلالة فإنهم يشاهدون ما يعامل به أهل الضلالة والفساد .
و{ لا خوف} مرفوع منون في جميع القراءات المشهورة ،وإنما لم يفتح لأن الفتح على تضمين ( مِن ) الزائدة المؤكدة للعموم وإذ قد كان التأكيد مفيداً التنصيص على عدم إرادة نفي الواحد ،وكان المقام غير مقام التردد في نفي جنس الخوف عنهم لأنه لم يكن واقعاً بهم حينئذٍ مع وقوعه على غيرهم ،فأمارة نجاتهم منه واضحة ،لم يحتج إلى نصب اسم{ لا} ،ونظيره قول الرابعة من نساء حديث أمّ زرع: زوجِي كَلَيْل تِهامهْ ،لا حَرٌّ ولا قُرٌّ ولا مخافةٌ ولا سآمهْ .
روايته برفع الأسماء الأربعة لأن انتفاء تلك الأحوال عن ليل تهامة مشهور ،وإنما أرادت بيان وجوه الشبه من قولها كليللِ تهامة .
وجيء في قوله:{ ولا أنتم تحزنون} بالمسند إليه مخبراً عنه بالمسند الفِعلي لإفادة التقويّ في نفي الحزن عنهم ،فالتقوي أفاد تقوّي النفي لا نفي قوة الحزن الصادق بحزن غير قوي .هذا هو طريق الاستعمال في نفس صيغ المبالغة كما في قوله تعالى:{ وما ربّك بظلامٍ للعبيد}[ فصلت: 46] ،تطميناً لأنفسهم بانتفاء الحزن عنهم في أزمنة المستقبل ،إذ قد يهجس بخواطرهم هل يدوم لهم الأمْن الذي هم فيه .