تعليل لجملتي{ ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون}[ الذاريات: 57] و{ الرزق} هنا بمعنى ما يعمّ المال والإِطعام .
والرزاق: الكثير الإِرزاق ،والقوةُ: القدرة .
وذو القوة: صاحب القدرة .ومن خصائص ( ذو ) أن تضاف إلى أمر مهم ،فعلم أن القوة هنا قوة خلية من النقائص .
والمتين: الشديد ،وهو هنا وصف لذي القوة ،أي الشديد القوة ،وقد عدّ{ المتين} في أسمائه تعالى .قال الغزالي: وذلك يرجع إلى معاني القدرة .وفي « معارج النور » شرح الأسماء « المتينُ: كمال في قوته بحيث لا يعارض ولا يُدانَى » .
فالمعنى أنه المستغني غنىً مطلقاً فلا يحتاج إلى شيء فلا يكون خلقه الخلق لتحصيل نفع له ولكن لعمران الكون وإجراء نظام العمران باتباع الشريعة التي يجمعها معنى العبادة في قوله:{ إلا ليعبدون}[ الذاريات: 56] .
وإظهار اسم الجلالة في{ إن الله هو الرزاق} إخراج للكلام على خلاف مقتضى الظاهر لأن مقتضاه: إني أَنا الرزاق ،فعدل عن الإِضمار إلى الاسم الظاهر لتكون هذه الجملة مستقلة بالدلالة لأنها سُيرت مسِير الكلام الجامع والأمثال .
وحذفت ياء المتكلم من{ يعبدون} و{ يطعمون} للتخفيف ،ونظائره كثيرة في القرآن .
وفي قوله:{ إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين} طريق قصر لوجود ضمير الفصل ،أي: لا رَزَّاق ،ولا ذا قوة ،ولا متين إلا الله وهو قصر إضافي ،أي دون الأصنام التي يعبدونها .
فالقصر قصر إفراد بتنزيل المشركين في إشراكهم أصنامهم بالله منزلة من يدعي أن الأصنام شركاء لله في صفاته التي منها: الإِرزاق ،والقوة ،والشدة ،فأبطل ذلك بهذا القصر ،قال تعالى:{ إن الذين تعبدون من دون اللَّه لا يملكون لكم رزقاً فابتغوا عند اللَّه الرزق واعبدوه}[ العنكبوت: 17] ،وقال:{ إن الذين تدعون من دون اللَّه لن يخلقوا ذباباً ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذباب شيئاً لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب}[ الحج: 73] .