و ( أنْ ) في قوله:{ ألا تطغوا} يجوز أن تكون تفسيرية لأن فعل وضع الميزان فيه معنى أمر الناس بالعدل .وفي الأمر معنى القول دون حروفه فهو حقيق بأن يأتي تفسيرُه بحرف ( أنْ ) التفسيرية .
فكان النهي عن إضاعة العدل في أكثر المعاملات تفسيراً لذلك .فتكون ( لا ) ناهية .
ويجوز أن تكون ( أنْ ) مصدرية بتقدير لاَم الجر محذوفة قبلَها .والتقدير: لئلا تَطْغَوْا في الميزان ،وعلى كلا الاحتمالين يراد بالميزان ما يشمل العدل ويشمل ما به تقدير الأشياء الموزونة ونحوها في البيع والشراء ،أي من فوائد تنزيل الأمر بالعدل أن تجتنبوا الطغيان في إقامة الوزن في المعاملة .وتكون ( لا ) نافية ،وفعْل{ تطغوا} منصوباً ب ( أن ) المصدرية .
ولفظ{ الميزان} يسمح بإرادة المعنيين على طريقة استعمال المشترك في معنييه .وفي لفظ الميزان وما قارنه من فعل{ وضع} وفعلي{ لا تَطْغَوْا} و{ أقيموا} وحرف الباء في قوله:{ بالقسط} وحرف{ في} من قوله:{ في الميزان} ولفظ{ القسط} ،كل هذه تظاهرت على إفادة هذه المعاني وهذا من إعجاز القرآن .
والطغيان: دحض الحق عمداً واحتقاراً لأصحابه ،فمعنى الطغيان في العدل الاستخفاف بإضاعته وضعف الوازع عن الظلم .ومعنى الطغيان في وزن المقدرات تطفيفه .
و{ في} من قوله:{ في الميزان} ظرفية مجازية تفيد النهي عن أقل طغيان على الميزان ،أي ليس النهي عن إضاعة الميزان كله بل النهي عن كل طغيان يتعلق به على نحو الظرفية في قوله تعالى:{ وارزقوهم فيها واكسوهم}[ النساء: 5] ،أي ارزقوهم من بعضها وقول سَبرة بننِ عَمْرو الفقعسي:
سَبرةَ بنِ عَمْرو الفقعسي *** ونَشرب في أثمانها ونُقامر
إذْ أراد أنهم يشربون الخمر ببعض أثمان إبلهم ويقامرون ،أي أن لهم فيها منافع أخرى وهي العطاء والأكل منها لقوله في صدر البيت:
نُحابي بها أكفاءنا ونُهينُها
وقوله تعالى:{ وأقيموا الوزن بالقسط} عطف على جملة{ ألا تطغوا في الميزان} على احتمال كون المعطوف عليها تفسيرية .وعلى جملة{ ووضع الميزان} على احتمال كون المعطوف عليها تعليلاً .