والإِقامة: جعل الشيء قائماً ،وهو تمثيل للإِتيان به على أكمل ما يراد له وقد تقدم عند قوله:{ ويقيمون الصلاة} في سورة البقرة ( 3 ) .
والوزن حقيقته: تحقيق تعادل الأجسام في الثقل ،وهو هنا مراد به ما يشمل تقدير الكميات وهو الكيل والمقياس .ٍ
والقسط: العدل وهو معرب من الرومية وأصله قسطاس ثم اختصر في العربية فقالوا مرة: قسطاس ،ومرة: قسط ،وتقدم في قوله تعالى:{ ونضع الموازين القسط ليوم القيامة} في سورة الأنبياء ( 47 ) .
والباء للمصاحبة .والمعنى: اجعلوا العدل ملازماً لما تقوّمونه من أموركم كما قال تعالى:{ وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى}[ الأنعام: 152] وكما قال:{ ولا يجرمنكم شنئان قوم على أن لا تعدلوا}[ المائدة: 8] ،فيكون قوله:{ بالقسط} ظرفاً مستقراً في موضع الحال ،أو الباء للسببية ،أي راعوا في إقامة التمحيص ما يقتضيه العدل ،فيكون قوله:{ بالقسط} طرفاً لغواً متعلقاً ،وقد كان المشركون يعهدون إلى التطفيف في الوزن كما جاء في قوله تعالى:{ ويل للمطففين الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون}[ المطففين: 1 3] .
فلما كان التطفيف سنة من سنن المشركين تصدت للآية للتنبيه عليه ،ويجيء على الاعتبارين تفسير قوله:{ ولا تخسروا الميزان} فإن حُمل الميزان فيه على معنى العدل كان المعنى النهي عن التهاون بالعدل لغفلة أو تسامح بعد أن نهى عن الطغيان فيه ،ويكون إظهار لفظ الميزان في مقام ضميره تنبيهاً على شدة عناية الله بالعدل ،وإنْ حُمل فيه على آلة الوزن كان المعنى النهي عن غبن الناس في الوزن لهم كما قال تعالى في سورة المطففين ( 3 ){ وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون} والإِخسار: جعل الغير خاسرا والخسارة النقص .
فعلى حمل الميزان على معنى العدل يكون الإِخسار جعل صاحب الحق خاسراً مغبوناً ؛ويكون الميزان} منصوباً على نزع الخافص ،وعلى حمل الميزان على معنى آلة الوزن يكون الإِخسار بمعنى النقص ،أي لا تجعلوا الميزان ناقصاً كما قال تعالى:{ ولا تنقصوا المكيال والميزان}[ هود: 84] ،وقد علمت هذا النظم البديع في الآية الصالح لهذه المحامل .