و{ ثم} من قوله:{ ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعاً فاسلكوه} للتراخي الرتبي بالنسبة لمضمون الجملتين قبلها لأن مضمون{ في سلسلة ذرعها سبعون ذراعاً} أعظم من مضمون{ فغلوه .
ومضمون{ فاسلكوه} دل على إدخاله الجحيم فكان إسلاكه في تلك السلسلة أعظم من مطلق إسلاكه الجحيم .
ومعنى{ اسلكوه}: اجعلوه سالِكاً ،أي داخلاً في السلسلة وذلك بأن تَلف عليه السلسلة فيكون في وسطها ،ويقال: سلَكه ،إذا أدخله في شيء ،أي اجعلوه في الجحيم مكبَّلاً في أغلاله .
وتقديم{ الجحيمَ} على عامله لتعجيل المساءة مع الرعاية على الفاصلة وكذلك تقديم{ في سلسلة} على عامله .
واقتران فعل{ اسلكوه} بالفاء إمَّا لتأكيد الفاء التي اقترنت بفعل{ فَغلّوه} ،وإما للايذان بأن الفعل منزل منزلة جزاء شرط محذوف ،وهذا الحذف يشعر به تقديم المعمول غالباً كأنه قيل: مهما فعلتم به شيئاً فاسلكوه في سلسلة ،أو مهما يكن شيء فاسلكوه .
والمقصود تأكيد وقوع ذلك والحثُّ على عدم التفريط في الفعل وأنه لا يرجى له تخفيف ،ونظيره قوله تعالى:{ وربَّك فكبّر وثِيابَك فطهّر والرِّجز فاهجر}[ المدثر: 35] ،وتقدم عند قوله تعالى:{ قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا} في سورة[ يونس: 58] .
والسلسلة: اسم لمجموع حَلَققٍ من حديد داخللٍ بعضُ تلك الحَلَق في بعض تجعل لِوثاق شخص كي لا يزول من مكانه ،وتقدم في قوله تعالى:{ إذ الأغلال في أعناقهم والسلاسل} في سورة غافر ( 71 ) .
وجملة{ ذرعها سبعون ذراعاً} صفة{ سِلْسلة} وهذه الصفة وقعت معترضة بين المجرور ومتعلَّقِهِ للتهويل على المشركين المكذبين بالقارعة ،وليست الجملة مما خوطب الملائكة الموكلون بسوْق المجرمين إلى العذاب ،ولذلك فعَدَدُ السبعين مستعمل في معنى الكثرة على طريقة الكناية مثل قوله تعالى:{ إِنْ تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم}[ التوبة: 80] .
والذَّرع: كيلُ طوللِ الجسم بالذراع وهو مقدار من الطول مقدر بذراع الإِنسان ،وكانوا يقدرون بمقادير الأعضاء مثل الذراع ،والأصبَع ،والأنملة ،والقَدم ،وبالأبعاد التي بين الأعضاء مثل الشِبْر ،والفِتْر ،والرتب ( بفتح الراء والتاء ) ،والعَتَب ،والبُصْم ،والخُطوة .