قوله:{ أوْ أمن أهل القرى أن يأتيهم بأسناً ضحى وهم يلعبون} قرأه نافع ،وابن كثير ،وابن عامر ،وأبو جعفر بسكون الواو على أنه عطف بحرف ( أو ) الذي هو لأحد الشيئين عطفاً على التعجيب ،أي: هو تعجيب من أحد الحالين .وقرأه الباقون بفتح الواو على أنه عطف بالواو مقدمة عليه همزةُ الاستفهام ،فهو عطف استفهام ثان بالواو المفيدة للجمع ،فيكون كلا الاستفهامين مدخولاً لفاء التعقيب ،على قول جمهور النحاة ،وأما على رأي الزمخشري فيتعين أن تكون الواو للتقسيم ،أي تقسيم الاستفهام إلى استفهامين ،وتقدم ذكر الرأيين عند قوله تعالى:{ أفكلما جاءكم رسول} في سورة البقرة ( 87 ) .
و{ بياتاً} تقدم معناه ووجه نصبه عند قوله تعالى:{ وكم من قرية أهلكناها فجاءها بأسناً بياتاً} في أول هذه السورة ( 4 ) .
والضحَى بالضم مع القصر هو في الأصل اسم لضوء الشمس إذا أشرق وارتفع ،وفسره الفقهاء بأن ترتفع الشمس قيد رمح ،ويرادفه الضحوة والضّحْوُ .
والضحى يذكر ويؤنث ،وشاع التوقيت به عند العرب ومن قبلهم ،قال تعالى حكاية عن موسى:{ قال مَوْعدكُمْ يوم الزينة وأن يُحشر الناس ضُحى}[ طه: 59] .
وتقييد التعجيب من أمْنهم مجيءَ البأس ،بوقتي البيات والضحى ،من بين سائر الأوقات ،وبحالي النوم واللعب ،من بين سائر الأحوال ،لأن الوقتين أجدر بأن يحذر حلول العذاب فيهما ،لأنهما وقتان للدعة ،فالبيات للنوم بعد الفراغ من الشغل .
والضحى للعب قبل استقبال الشغل ،فكان شأن أولي النهى المعرضين عن دعوة رسل الله أن لا يأمنوا عذابه ،بخاصة في هذين الوقتين والحالين .
وفي هذا التعجيب تعريض بالمشركين المكذبين للنبيء صلى الله عليه وسلم أن يحل بهم ما حلَّ بالأمم الماضية ،فكان ذكر وقت البيات ،ووقت اللعب ،أشد مناسبة بالمعنى التعريضي .تهديداً لهم بأن يصيبهم العذاب بأفظع أحواله ،إذ يكون حلوله بهم في ساعة دعتهم وساعة لهوهم نكاية بهم .