ومعنى{ لم يَزدهم دعائيَ إلاّ فراراً} أن دعائي لهم بأن يعبدوا الله وبطاعتهم لي لم يزدهم ما دعوتهم إليه إلاّ بعداً منه ،فالفرار مستعار لقوة الإِعْراض ،أي فلم يزدهم دعائي إياهم قرباً مما أدعوهم إليه .
واستثناء الفرار من عموم الزيادات استثناء منقطع .والتقدير: فلم يزدهم دعائي قرباً من الهدى لكن زادهم فراراً كما في قوله تعالى حكاية عن صالح عليه السلام{ فما تزيدونني غير تخسير}[ هود: 63] .
وإسناد زيادة الفرار إلى الدعاء مجاز لأن دعاءه إياهم كان سبباً في تزايد إعراضهم وقوة تمسكهم بشركهم .
وهذا من الأسلوب المسمى في علم البديع تأكيد المدح بما يشبه الذم ،أو تأكيدَ الشيء بما يشبه ضده ،وهو هنا تأكيد إِعراضهم المشبه بالابتعاد بصورةٍ تشبه ضد الإِعراض .
ولما كان فرارهم من التوحيد ثابتاً لهم من قبل كان قوله:{ لم يزدهم دعائي إلاّ فراراً} من تأكيد الشيء بما يشبه ضده .
وتصدير كلام نوح بالتأكيد لإِرادة الاهتمام بالخبر .