انتصب{ ربّك} على المفعولية لفعل ( كَبِّر ) قُذم على عامله لإِفادة الاختصاص ،أي لا تكبر غيره ،وهو قصر إفراد ،أي دون الأصنام .
والواو عطَفت جملة{ ربَّك فكبر} على جملة{ قم فأنذر}[ المدثر: 2] .
ودخلت الفاء على ( كَبّر ) إيذاناً بشرطٍ محذوف يكون ( كَبِّر ) جوابه ،وهو شرط عام إذ لا دليل على شرط مخصوص وهُيِّىء لِتقدير الشرط بتقديم المفعول .لأن تقديم المعمول قد ينزل منزلة الشرط كقول النبي صلى الله عليه وسلم"ففيهما فجاهد"( يعني الأبوين ) .
فالتقدير: مهمْا يكن شيء فكبّرْ ربّك .
والمعنى: أن لا يفتر عن الإِعلان بتعظيم الله وتوحيده في كُل زمان وكل حال وهذا من الإِيجاز .وجوز ابن جني أن تكون الفاء زائدة قال: هو كقولك زيداً فاضرب ،تُريد: زيداً اضرب .
وتكبير الرب تعظيمه ففعل ( كبّر ) يفيد معنى نسبة مفعوله إلى أصل مادة اشتقاقه وذلك من معاني صيغة فَعَّل ،أي أخبر عنه بخبر التعظيم ،وهو تكبير مجازي بتشبيه الشيء المعظَّم بشيء كبير في نوعه بجامع الفضل على غيره في صفات مثله .
فمعنى{ وربَّك فكبِّر}: صِف ربّك بصفات التعظيم ،وهذا يشمل تنزيهه عن النقائص فيشمل توحيده بالإلهية وتنزيهه عن الولد ،ويشمل وصفه بصفات الكمال كلها .
ومعنى ( كبِّر ): كبره في اعتقادك: وكبره بقولك تسبيحاً وتعليماً .ويشمل هذا المعنى أن يقول: « الله أكبر » لأنه إذا قال هذه الكلمة أفاد وصف الله بأنه أكبر من كل كبير ،أي أجلّ وأنزه من كل جليل ،ولذلك جعلت هذه الكلمة افتتاحاً للصلاة .
وأحسب أن في ذكر التكبير إيماء إلى شرع الصلاة التي أولها التكبير وخاصة اقترانه بقوله:{ وثيابك فطهر}[ المدثر: 4] فإنه إيماء إلى شرع الطهارة ،فلعل ذلك إعداد لشرع الصلاة .ووقع في رواية معمر عن الزهري عند مسلم أن قال: وذلك قبل أن تفرض الصلاة .فالظاهر أن الله فرض عليه الصلاة عقب هذه السورة وهي غير الصلوات الخمس فقد ثبت أنه صلى في المسجد الحرام .