والحدائق: جمع حديقة وهي الجنة من نخل وكَرم وشجرِ فواكهَ ،وعطفُها على النخل من عطف الأعم على الأخص ،ولأن في ذكر الحدائق إدماجاً للامتنان بها لأنها مواضع تنزههم واخترافهم .
وإنما ذكر النخل دون ثمرته ،وهو التمر ،خلافاً لما قُرن به من الثمار والفواكهِ والكلأ ،لأن منافع شجر النخيل كثيرة لا تقتصر على ثمره ،فهم يقتاتون ثمرته من تمر ورُطب وبُسر ،ويأكلون جُمَّاره ،ويَشربون ماء عود النخلة إذا شُق عنه ،ويتخذون من نَوى التمر علفاً لإبلهم ،وكل ذلك من الطعام ،فضلاً عن اتخاذهم البيوت والأواني من خشبه ،والحُصُر من سَعَفه ،والحبالَ من لِيفه .فذِكْرُ اسم الشجرة الجامعة لهذه المنافع أجمع في الاستدلال بمختلف الأحوال وإدماج الامتنان بوفرة النعم ،وقد تقدم قريباً في سورة النبأ .
والغُلْب: جمع غلباء ،وهي مؤنث الأغلب ،وهو غَليظُ الرقبة ،يقال: غلب كفرح ،يوصف به الإنسان والبعير ،وهو هنا مستعار لغلظ أصول الشجر فوصف الحدائق به ؛إما على تشبيه الحديقة في تكاثف أوراق شجرها والتفافها بشخص غليظ الأوداج والأعصاب فتكون استعارة ،وإما على تقدير محذوف ،أي غُلْببٍ شَجَرُها ،فيكون نعتاً سببيّاً وتكون الاستعارة في تشبيه كل شجرة بامرأة غليظة الرقبة ،وذلك من محاسن الحدائق لأنها تكون قد استكملت قوة الأشجار كما في قوله:{ وجنات ألفافاً}[ النبأ: 16] .
وخصت الحدائق بالذكر لأنها مواضع التنزه والاختراف ،ولأنها تجمع أصنافاً من الأشجار .