عطف على جملة{ تكذبون بالدين}[ الانفطار: 9] تأكيداً لثبوت الجزاء على الأعمال .
وأكد الكلام بحرف{ إنَّ} ولام الابتداء ،لأنهم ينكرون ذلك إنكاراً قويّاً .
و{ لحافظين} صفة لمحذوف تقديره: لملائكة حافظين ،أي مُحْصين غير مضيعين لشيء من أعمالكم .
وجمع الملائكة باعتبار التوزيع على الناس: وإنما لكل أحد ملكان قال تعالى:{ إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد}[ ق: 17 ،18] ،وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم «أن لكل أحد ملكين يحفظان أعماله» وهذا بصريح معناه يفيد أيضاً كفاية عن وقوع الجزاء إذ لولا الجزاء على الأعمال لكان الاعتناء بإحصائها عبثاً .
وأجري على الملائكة الموكّلين بإحصاء أعمالهم أربعةُ أوصاف هي: الحفظ ،والكرم ،والكتابة ،والعلم بما يعلمه الناس .
وابتدىء منها بوصف الحفظ لأنه الغرض الذي سبق لأجله الكلام الذي هو إثبات الجزاء على جميع الأعمال ،ثم ذكرت بعده صفات ثلاث بها كمال الحفظ والإِحصاء وفيها تنويهٌ بشأن الملائكة الحافظين .
فأما الحفظ: فهو هنا بمعنى الرعاية والمراقبة ،وهو بهذا المعنى يتعدى إلى المعمول بحرف الجر ،وهو ( على ) لتضمنه معنى المراقبة .والحفيظ: الرقيب ،قال تعالى:{ اللَّه حفيظ عليهم}[ الشورى: 6] .
وهذا الاستعمال هو غير استعمال الحفظ المعدّى إلى المفعول بنفسه فإنه بمعنى الحراسة نحو قوله:{ يحفظونه من أمر اللَّه}[ الرعد: 11] .فالحفظ بهذا الإِطلاق يجمع معنى الرعاية والقيام على ما يوكل إلى الحفيظ ،والأمانة على ما يوكل إليه .
وحرف ( على ) فيه للاستعلاء لتضمنه معنى الرقابة والسلطة .
وأما وصف الكرم فهو النفاسة في النوع كما تقدم في قوله تعالى:{ قالت يا أيها الملأ إني ألقي إلي كتاب كريم} في سورة النمل ( 29 ) .