وقدم ذكر هذا الظرف عن موقعه بعد قوله:{ فقال لهم رسول الله ناقة الله} لأن انبعاث أشقاها لعقر الناقة جُزئي من جزئيات طغواهم فهو أشد تعلقاً بالتكذيب المسبب عن الطغوى ففي تقديمه قضاء لحق هذا الاتصال ،ولإفادة أن انبعاث أشقاهم لعقر الناقة كان عن إغراء منهم إياه ،ولا يفوت مع ذلك أنه وقع بعد أن قال لهم رسول الله ناقة الله ،ويستفاد أيضاً من قوله:{ فعقروها} .
و{ أشقاها}: أشدها شِقوة ،وعني به رجل منهم سماه المفسرون قُدار ( بضم القاف وتخفيف الدال المهملة ) بن سالف ،وزيادته عليهم في الشقاوة بأنه الذي باشر الجريمة وإن كان عن ملإ منهم وإغراء .
والفاء من قوله:{ فقال لهم رسول الله} عاطفة على{ كذبت} فتفيد الترتيب والتعقيب كما هو الغالب فيها ،ويَكون معنى الكلام: كذبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فتحداهم بآية الناقة وحذَّرهم من التعرض لها بسوء ومِن منعهم شربها في نوبتها من السُّقيا ،وعطف على{ فكذبوه} ،أي فيما أنذرهم به فعقروها بالتكذيب المذكور أول مرة غير التكذيب المذكور ثانياً .وهذا يقتضي أن آية الناقة أرسلت لهم بعد أن كذبوا وهو الشأن في آيات الرسل ،وهو ظاهر ما جاء في سورة هود .
ويجوز أن تكون الفاء للترتيب الذكري المجرد وهي تفيد عطف مفصل على مجمل مثل قوله تعالى:{ فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه}[ البقرة: 36] فإن إزلالهما إبعادهما وهو يحصل بعد الإِخراج لا قبله .وقوله:{ وكم من قرية أهلكناها فجاءها بأسنا}[ الأعراف: 4] ،فيكون المعنى: كذبت ثمود بطغواها إذ انبعث أشقاها .ثم فُصل ذلك بقوله:{ فقال لهم رسول اللَّه} إلى قوله:{ فعقروها} ،والعقر عند انبعاث أشقاها ،وعليه فلا ضرورة إلى اعتبار الظرف وهو:{ إذ انبعث أشقاها} مقدَّماً من تأخير .
وأعيدت عليهم ضمائر الجمع باعتبار أنهم جمع وإن كانت الضمائر قبله مراعىً فيها أن ثمود اسم قبيلة .
وانتصب{ ناقة اللَّه} على التحذير ،والتقدير: احذروا ناقة الله .والمراد: التحذير من أن يؤذوها ،فالكلام من تعليق الحكم بالذوات ،والمرادُ: أحوالها .
وإضافة{ ناقة} إلى اسم الجلالة لأنها آية جعلها الله على صدق رسالة صالح عليه السلام ولأن خروجها لهم كان خارقاً للعادة .
والسقيا: اسم مصدر سَقى ،وهو معطوف على التحذير ،أي احذروا سقيها ،أي احذروا غصب سقيها ،فالكلام على حذف مضاف ،أو أطلق السقيا على الماء الذي تسقى منه إطلاقاً للمصدر على المفعول فيرجع إلى إضافة الحكم إلى الذات .والمراد: حالة تعرف من المقام ،فإن مادة سقيا تؤذن بأن المراد التحذير من أن يسقوا إبلهم من الماء الذي في يوم نوبتها .
والتكذيب المعقب به تحذيره إياهم بقوله:{ ناقة اللَّه} ،تكذيب ثاننٍ وهو تكذيبهم بما اقتضاه التحذير من الوعيد .والإِنذار بالعذاب إن لم يحذروا الاعتداء على تلك الناقة ،وهو المصرح به في آية سورة الأعراف ( 73 ) في قوله:{ ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب أليم} .