فإن قيل:فقد أثبت له على أوليائه هاهنا سلطانا ، فكيف نفاه بقوله تعالى حاكيا عنه مقررا له:{ وقال الشيطان لما قضي الأمر إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي} [ إبراهيم:22] وقال تعالى:{ ولقد صدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه إلا فريقا من المؤمنين * وما كان له عليهم من سلطان إلا لنعلم من يؤمن بالآخرة ممن هو منها في شك} [ سبأ:20 . 21] .
قيل:السلطان الذي أثبته له عليهم غير الذي نفاه من وجهين:
أحدهما:أن السلطان الثابت:هو سلطان التمكن منهم ، وتلاعبه بهم ، وسوقه إياهم كيف أراد ، بتمكينهم إياه من ذلك ، بطاعته وموالاته ، والسلطان الذي نفاه:سلطان الحجة ، فلم يكن لإبليس عليهم من حجة يتسلط بها ، غير أنه دعاهم فأجابوه بلا حجة ولا برهان .
الثاني:إن الله لم يجعل له عليهم سلطانا ابتداء البتة ولكن هم سلطوه على أنفسهم بطاعته ، ودخولهم في جملة جنده وحزبه ، فلم يتسلط عليهم بقوته . فإن كيده ضعيف:وإنما تسلطن عليهم بإرادتهم واختيارهم .
والمقصود:أن من قصد أعظم أوليائه وأحبابه ونصحائه ، فأخذه وأخذ أولاده وحاشيته وسلمهم إلى عدوه ، كان من عقوبته:أن يسلط عليه ذلك العدو نفسه .