وقد أكد سبحانه معنى الاستعاذة ببيان أنه ليس له سلطان على الذين آمنوا فقال عز من قائل:
{ إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون ( 99 ) إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون ( 100 )} .
يحصن المؤمنين من الشيطان أمور ثلاثة:
الحصن الأول – الاستعاذة منه بالقلب واللسان كما أمر الله تعالى:{ فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم} ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم وقال:"علمنيها جبريل"{[1396]} فإن الاستعاذة تحصين للقلب من وساوس الشيطان ودخول هذا الحصن قراءة القرآن الكريم .
والحصن الثاني – الإيمان فإن الإيمان حصن الحق من الغرور والأوهام والأهواء ، وكلها ذرائع الشيطان ؛ ولذا قال في وعيده بالإغواء:{. . .ولأغوينهم أجميعن ( 39 ) إلا عبادك منهم المخلصين ( 40 )} [ الحجر] .
والحصن الثالث – التوكل على الله حق توكله ، وأخذ الأسباب وتفويض الأمر إليه تعالى ، وهو العلي القدير .
وهذا هو مؤدى قوله تعالى:{ إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا} والضمير في ( إنه ) يعود إلى الشيطان المذكور في قوله تعالى:{ فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم} والسلطان الحجة والبرهان والاستيلاء على النفس المؤمنة ، ولا يمكن أن يكون له ذلك عليها ؛ لأنه تعرف أنه عدوها ومرديها ومفسدها ، وماضيه في ذلك عندها معروف عليها ؛ لأنها تعرف أنه عدوها ومرديها ومفسدها ، وماضيه في ذلك عندها معروف علمها إياه الحكيم العليم ، وهي تتوكل على الله وحده ، فلا يمكن أن يستولي عليها ، فالنفس ليست فارغة حتى يتولاها .
وقوله تعالى:{ وعلى ربهم يتوكلون} ، فيه تقديم الجار والمجرور على الفعل يفيد القصر ، أي لا يتوكل المؤمنون إلا على الله فليس في قلوبهم فراغ للشيطان يحتله ، والتعبير ب{ ربهم} يزكى توكلهم ؛ لأنه الذي ذرأهم ورباهم وكونهم