تفسير قول الله تعالى:
{ من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة والله يقبض ويبصط وإليه ترجعون} وقوله:{ من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له وله أجر كريم} [ الحديد:11] .
صدر سبحانه الآية بألطف أنواع الخطاب ، وهو الاستفهام المتضمن لمعنى الطلب ، وهو أبلغ في الطلب من صيغة الأمر .
والمعنى:هل [ من] أحد يبذل هذا القرض الحسن ، فيجازى عليه أضعافا مضاعفة ؟ وسمى ذلك الإنفاق قرضا حسنا حثا للنفوس ، وبعثا لها على البذل . لأن الباذل متى علم أن عين ماله يعود إليه ولا بد طوعت له نفسه بذله ، وسهل عليه إخراجه . فإن علم أن المستقرض مليء وفي محسن ، كان أبلغ في طيب فعله وسماحة نفسه .
فإن علم أن المستقرض يتجر له بما اقترضه ، وينميه له ويُثمره حتى يصير أضعاف ما بذله كان بالقرض أسمح وأسمح .
فإن علم أنه مع ذلك كله يزيده من فضله وعطائه أجرا آخر من غير جنس القرض ، فإن ذلك الأجر حظ عظيم ، وعطاء كريم ، فإنه لا يتخلف عن قرضه إلا لآفة في نفسه من البخل والشح ، أو عدم الثقة بالضمان ، وذلك من ضعف إيمانه ، ولهذا كانت الصدقة برهانا لصاحبها .
وهذه الأمور كلها تحت هذه الألفاظ التي تضمنتها الآية ، فإنه سبحانه وتعالى سماه قرضا وأخبر أنه هو المقترض لا قرض حاجة ، ولكن قرض إحسان إلى المقرض واستدعاء لمعاملته ، وليعرف مقدار الربح ، فهو الذي أعطاه ماله واستدعى منه معاملته به .
ثم أخبر عما يرجع إليه بالقرض ، وهو الأضعاف المضاعفة .
ثم أخبر عما يعطيه فوق ذلك من الزيادة ، وهو الأجر الكريم .
[ شروط الصدقة المقبولة]
وحيث جاء هذا القرض في القرآن قيده بكونه حسنا . وذلك يجمع أمورا ثلاثة .
أحدها:أن يكون من طيب ماله ، لا من رديئه وخبيثه .
الثاني:أن يخرجه طيبة به نفسه ، ثابتة عند بذله ، ابتغاء مرضاة الله .
الثالث:أن لا يمن به ولا يؤذي .
فالأول يتعلق بالمال . والثاني يتعلق بالمنفق بينه وبين الله . والثالث بينه وبين الآخذ .