قوله: ( من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة ) المراد بالقرض هنا الإنفاق في سبيل الله ،سواء في ذلك الإنفاق من أجل الحرب وما تقتضيه من بذل للموال في سخاء ،أو الإنفاق على الأهل والعيال وذوي القربى ،أو غيرهم من المعوزين والمحاويج على أن يكون ذلك ( حسنا ) أي محتسبا طيبة بها نفسه .
ومن طريف ما ذكر في هذا الصدد أنه لما أنزلت هذه الآية قال أبو الدحداح: يا رسول الله أو إن الله تعالى يريد منا القرض ؟قال:"نعم يا أبا الدحداح "قال: أرني يدك ،فناوله ،قال: فإني أقرضت الله حائطا فيه ستمائة نخلة ،ثم جاء يمشي حتى أتى الحائط ( البستان ) وأم الدحداح فيه وعياله فناداها: يا أم الدحداح .قالت: لبيك قال: اخرجي قد أقرضت ربي- عز وجل- حائطا فيه ستمائة نخلة .ومن رواية لزيد قال: قالت أم الدحداح: ربح البيع !بارك الله فيما اشتريت .ثم أجابته أم الدحداح وأنشأت تقول:
بشَّرك اللهُ بخيْر وفَرحْ
--مِثْلُك أدَّى ما عليه ونَصَحْ
قد متَّع اللهُ عيالي ومنَحْ
-- بالعَجْوةِ السَّوْدَاءِ والزَّهْوِ البَلَحْ
والعبدُ يسعى وله ما قد كَدَحْ
--طولَ الليالي وعليهما اجْتَرَحْ
ثم أقبلت أم الدحداح على صبيانها تخرج ما في أفواههم وتنفض ما في أكمامهم حتى أفضت إلى الحائط الآخر فقال النبي ( ص ):"كم من عِذق رَادَاح ودار فَياح لأبي الدحداح "{[329]} .
وقوله: ( فيضاعفه له أضعافا كثيرة ) بعد أن استنهض الله في المؤمنين همتهم ونخوتهم من أجل الإنفاق ،وسمى ذلك إقراضا منهم له ؛وذلك على سبيل التأثير في نفوسهم وبعض الشهامة فيهم وإثارة الحس فيهم والوجدان ،بعد ذلك كله يبين الله للمؤمنين المقرضين أن لهم من الأجر أضعافا كثيرة قد تصل إلى سبعمائة ضعف .وفي مثل هذا يقول عز من قائل في آية أخرى: ( مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبات أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء ) .
وجاء في الخبر"النفقة في سبيل الله تضاعف إلى سبعمائة ضعف وأكثر ".
قوله: ( والله يقبض ويبسط ) أي يمسك الرزق عمن يشاء من عباده ويؤتيه من يشاء فهو سبحانه المالك الرازق .وهذه حقيقة يجدر بالمؤمن أن يعيها ويستيقنها قلبه لكي يبادر بالإنفاق ساخيا ،فلا يتردد ولا يخشى من ذي العرض إقلالا .وليعلم المؤمن كذلك أن ما أنفقه من خير لهو باق له في رصيد حسناته يجده مسطورا أمامه يوم القيامة ؛ولذلك قال ( وإليه ترجعون ) .